عجزت لغة الدبلوماسية الناعمة في التوفيق بين الخطاب الدبلوماسي والآخر السياسي عقب تجريد دبلوماسيين لسيوفهم للهجوم على الخطاب السياسي وتصريحات كثير من سياسيي البلاد، مما حدا بأحدهم إلى التعبير صراحة عن معاناتهم جراء «سمكرة» وتلطيف أحاديث السياسيين غير المعهودة في العرف الدولي مثل: «يبلوه ويشربو مويتو» و«الكشح» وهكذا دواليك مما يصرح به السياسيون أمام قادة المجتمع الدولي وسفرائه، وأقر بعض دبلوماسيي البلاد في حالة نادرة بوقوع تقاطعات حادة في الخطابين حول عدد من قضايا السودان، وأكد دبلوماسي رفيع تحفظ على ذكر اسمه انقسام الصين لفريقين لكل منهما ارتباط بخصوص مصالحها بين الخرطوموجوبا، وجزم بأن بكين تدير كافة الملفات بين السودان ودولة الجنوب على الاتجاهين محكومة بمصالحها. وشهدت ورشة نقاش بعنوان «قراءة في قرار مجلس الأمن ومآلات التفاوض» مشاركة واسعة من الدبلوماسيين بالخارجية ونقاشًا عميقًا حول القرار الأممي الأخير، واتفق المتحدثون على إدانة القرار لاحتلال هجليج، ونبهوا إلى أن القرار دعا لبذل جهد لتقصي الحقائق حول التخريب الذي حدث وحقق كسبًا للسودان، ودعوا إلى وضع هذه النقاط ضمن شروط التفاوض للحصول على التعويض الخاص بأضرار هجليج، ولفت مدير إدارة الأزمات بوزارة الخارجية السفير عمر دهب أن القرار لم يشمل التعامل مع الحركة الشعبية قطاع الشمال، وقال إن الإشارة التي وردت داخل القرارين الإفريقي والأممي تشمل ضرورة التعامل مع «تاثير» هذه الحركة على الوضع الإنساني فقط، وقال: «ما جاء ليس اعترافًا دوليًا بقطاع الشمال إنما تدابير لانسياب المساعدات الإنسانية»، وأوضح أن المادة «41» من الفصل السابع لا تتحدث عن تدابير عسكرية إنما تدابير جزائية، وتوعد دهب بإرجاع القرار للاتحاد الإفريقي مرة أخرى بمثلما نجحت الدبلوماسية السودانية سابقًا في إعادة القرار «1706» من مجلس الأمن، وقال دهب إن القرار الأممي في مجمله أتاح للسودان المضي في مسار التفاوض، وقال إنه أتاح فرصة التمسك بالمبدأ القانوني وإعطاء الأولوية للقضايا الأمنية في التفاوض التي تستطيع الخرطوم عبرها أن تدلف للقضايا الأخرى مع دولة الجنوب، وأبان أن القرار الأممي منح القضايا الأمنية إطارًا زمنيًا لتسويتها فورًا، وهذا ما لم يوفره القرار الإفريقي، وشدَّد دهب على أن القرار الإفريقي هو الأساس الذي بنى عليه مجلس الأمن قراره، لكنه عاد واستغرب إحالة الاتحاد الإفريقي للوضع الحدودي بين البلدين لمجلس الأمن وقال: «من الغريب أن يحيل قراره هذا إلى مجلس الأمن»، واتهم دهب مجلس السلم والأمن بخلق تناقض ربما يُنبئ بسعي المجلس لتدويل المسألة الحدودية بين البلدين لتغيير وجهتها من أديس أبابا إلى نيويورك، ونعت دهب تضمين دولة الجنوب لمنطقة هجليج ضمن خريطتها الجغرافية الخاصة بنوع من الاعتداء والإصرار عليه. فيما طالب سفير السودان بجوبا د.مطرف صديق بالنظر لمبتغى القرار وليس توقيته، وأضاف في مداخلة ساخنة دعا فيها الإعلام لوضع «السيف» في مكانه وقال إن وقف العدائيات وبدء التفاوض من مصلحة السودان، وأردف بالقول: «الخيار هو السلام رغم كل المطبّات والقنابل والدخان»، وتوقع مطرف انخراط الآلية الإفريقية في جولات ماكوكية بين الخرطوموجوبا بغية استئناف التفاوض بأولوية القضايا الأمنية وقال: «لكن هناك من سينبري للهجوم على الأفكار والدعوات التي يمكن أن تقودها لجنة امبيكي»، ودافع عن الرؤية الخاصة بقبول قرار مجلس الأمن، وقال إن كل ما ورد بالقرار استنساخ للقرار الإفريقي الذي ارتضته الدولة وسيطًا لمعالجة القضايا مع دولة الجنوب، وذكر أن القرار الأممي محاولة فاعلة في التوقيت لمنع وقوع حرب وشيكة بين البلدين، ولفت مطرف إلى ما وصفه ب«الضجر» الذي أصاب الجميع جراء تطاول فترة التفاوض بين الخرطوموجوبا، وقال إن القرار وحَّد الوجدان على ضرورة أن تأتي هذه العملية لنهاية سريعة وحاسمة وتابع: «هذا مبرر كافٍ لوضع مواقيت زمنية لحل القضايا» واستدرك: «اجتهادنا السابق منصبّ حول وضع حل نهائي ومنتج ومرضٍ لنا لكن الطرف الآخر يمارس سياسية الزوغان والتسويف»، ولفت مطرف إلى أن دولاً تمارس «ضربًا تحت الحزام» عقب صدور القرار الأممي,وكشف عن سعي جوبا لوضع الملف تحت رئاسة الإيقاد، وطالب بالتأمل في ما وراء سطور القرار والنظر فيما بعده. من جانبه أبان وكيل الخارجية رحمة الله محمد عثمان أن القرار لا يختلف عن القرار الإفريقي، وأوضح: «القرار به فقرة واحدة مختلفة بين القرارين الإفريقي والأممي»، وأكد الوكيل أن الخرطوم لا تقبل بتحويل الملف للإيقاد أو لطرف آخر غير الاتحاد الإفريقي، ولفت إلى متابعة الخارجية عن كثب دعوات تقوم بها جوبا لإخراج الملف التفاوضي من الاتحاد الإفريقي ونقله ليد الإيقاد، واستبعد رحمة الله أن يكون القرار قد شكَّل دعمًا مباشرًا لجوبا، وعلّل عدم نقض الصين للقرار بأن مندوب بكين أوضح أن تبني بلاده للقرار استند إلى أنه قرار صادر عن الاتحاد الإفريقي، وكشف عن ضغوط مارستها جنوب إفريقيا لتبنّي مجلس الأمن القرار الإفريقي ونبّه رحمة الله إلى أن السودان وبمساعدة دول مثل باكستان وغواتيمالا أدخل فقرة التعويض بالقرار.