من أشهر التعابير التي سارت بها الألسن في حق الثورة الفرنسية أن الثورة«أكلت بنيها»، ورغم الفارق بين الثورة التي ينهض بها الشعب بأسره وحركات التمرد ذات المطالب المحددة كحركة إيتا الانفصالية التي تطالب بانفصال إقليم الباسك عن أسبانيا، وحركات دارفور المسلحة التي تزعم أنها لسان حال مواطني دارفور إلا أنه قد يصلح القول إن تلك الحركات تسعى ل«التهام بنيها ورؤسائها»، فالأخبار التي وردت مؤخرًا عن نجاة رئيس حركة التحرير مني أركو مناوي من محاولة اغتيال بمدينة راجا بولاية الإستوائية بدولة الجنوب، بإطلاق النار عليه لدى تفقده لمعسكرات التدريب الخاصة بفصيله، ليست الأولى من نوعها، فقد سبق وفقاً لمبارك حامد دربين الأمين العام لحركة التحرير جناح السلام في حديثه ل «الإنتباهة» أن تعرض للاغتيال عام 2009 في منطقة شرق جبل مرة، على إثر الخلافات التي نشبت بين القيادات العسكرية لحركته، وعلى رأسهم سليمان كركور، جراء القتال الذي وقع بين الحركة ونظيرتها العدل والمساواة في منطقة مهاجرية بجنوب دارفور، معتبرين أن مناوي قد زج بهم في ذلك القتال، وكان أن فر مناوي إلى الفاشر، أما المحاولة الثانية لاغتيال مناوي فكانت في 2008 في منطقة أمبرو شمال غرب محلية كتمو في مرحلة ما بعد السلام والانتظام في مواقع الحكم التنفيذية ومن خلال السلطة الانتقالية، أما أسبابها فكانت تعود لسياسات مناوي الاقصائية، فقد عمد مناوي لإبعاد القيادات الحقيقة التي ناضلت في الميدان، وكان لها دور فعال في توقيع اتفاق أبوجا للسلام مع الحكومة، ودرج على تقريب أفراد لا علاقة لهم بالحركة من قبيل شقيقه حسين مناوي، وعلى ترايو وعبد العزيز سام وآخرين، وإذا كانت محاولات الاغتيال السابقة لمناوي مصدرها قيادات في الحركة فإن المحاولة الأخيرة تشيء بمدى تطور تأزم الأوضاع في الحركة وأن مناوي لم يعد في مأمن، إذ يشير«المركز السوداني للخدمات الصحفية» إلا أن محاولة الاغتيال الأخيرة كانت من قبل أفراد الحراسات التابعة له، بسبب التصفيات التي نفذها في حق المدنيين بمناطق «أمبرو وكرنوي» بولاية شمال دارفور في وقت سابق، موضحًا أن أفراد الحراسة الذين حاولوا قتل رئيسهم هم أقرباء من تمت تصفيتهم. وعلى صعيد حركة العدل والمساواة فقد كانت أشهر حادثة اغتيال تعرّض لها قائدها خليل إبراهيم عن طريق السم الذي دُسَّ في طعامه لدى وجوده بالجماهيرية الليبية، وقد كان المتهم في هذه المحاولة القيادي بالحركة بحر الدين بجي، كما أن من ضمن الروايات التي أخبرت عن مقتله في مطلع العام الجاري أنه اغتيل بواسطة السلاح الأبيض من قبل بعض المواطنين في ودبندة أثناء احتفاله معهم، فضلاً عن محاولات أخرى للاغتيال وفقاً لدربين، بدوره يشير الأمين العام لمجموعة تصحيح مسار دارفور كمال إبراهيم علي ل«الإنتباهة» أنه وبالرغم من الخلافات العديدة التي ضربت حركة العدل والمساواة وأدت لانشقاقات كخروج قيادات معروفة عن صفوفها مثل بحر الدين أبو قردة وشوقار، فضلاً عن الخلافات بين الحركة وأعضائها من قبائل المساليت والميدوب إلا أنه لم يسمع عن محاولة اغتيال لخليل سوى محاولة السم بليبيا. أما فصيل حركة التحرير جناح عبد الواحد محمد نور فلم تظهر أنباء تخبر عن تعرُّض رئيسة للاغتيال، وما ذلك بغريب فالأخير رغم ضآلة وجود حركته العسكري على الأرض واعتماده على مناصريه في المعسكرات فهو قد اختار الاغتراب عن قياداته سائحاً في الدول الأوربية، ولا يعرف له من نشاط سوى مظاهرات محدودة تحمل صوره يلجأ لها عندما يزور مسؤول أممي معسكرات النازحين في دارفور. فضلاً عن أن عبد الواحد يعارض معارضة ناعمة من فنادق باريس وغيرها من العواصمالغربية ومن باب التندُّر أبدى صحفي أجنبي ملاحظة حول حمل عبد الواحد لأربعة هواتف نقالة ما يعني أن سلاح الرجل الهاتف المحمول وليس الكلاشنكوف!! وفي تفسيره لظاهرة الاغتيالات في حق قيادات الحركات رغم أنها غير معروفة في التاريخ السياسي السوداني يقول كمال فإن هذا الضرب من السلوك في حلحلة القضايا مرده ضعف الحس الاجتماعي لدى المنتسبين للحركات المسلحة، بخلاف الأنسان العادي الذي يلجأ للتي هي أحسن في معالجة خلافاته مع الآخرين، فضلاً عن أن تطاول استمرار القتال بين الحكومة وتلك الحركات له أثره في هذا الجانب، للحد الذي باعد بينهم وبين تقاليد العرف الاجتماعي المتداول في دارفور، والذي يجنح لمجالس الصلح والجودية بين الأطراف المتنازعة حتى ولو كان بينهما دم.