المتابع للشأن السوداني في الدول الغربية كما هو الحال هنا في ألمانيا، يجد أن الاهتمام بقضية دارفور قد قلَّ ولم يعد هناك من يحفل بها، إلا في إطار تحالف حركات دارفور مع الحركة الشعبية الحاكمة في دولة الجنوب، والتي تحرك هذه الحركات للهجوم على مناطق في دارفور، كما حدث أمس الأول في قريضة بجنوب دارفور. غير أن الأوساط السياسية والإعلامية، تنشط في اتجاه ما يحدث بين السودان ودولة جنوب السودان، وبالرغم من أن ذلك لا يتعدى أداء الواجب من الحكومات الغربية الملتزمة بالوقوف مع دولة جنوب السودان، إلا أنه لا يخفى على المتابع عن كثب ارتفاع حدة النقد في الصحافة الأوروبية للأوضاع في دولة الجنوب ومتابعة الخبال السياسي لحكومة الحركة الشعبية في جوبا، في وقت تصدر فيه عدة معاهد ألمانية وبريطانية ونرويجية تقارير متشائمة حول قدرة دولة الجنوب على الوقوف على قدميها إن لم تكن هاتان القدمان من طين!! وقدمت ألمانيا بعيد إعلان قيام دولة الجنوب عدة ملايين من العملة الأوروبية اليورو «ستة ملايين يورو» لمشروع مياه في مدن الجنوب الرئيسة تمت عبر مشروع التعاون التنموي الألماني، ومليوني دولار مساعدات إنسانية، إلا أن ما توفرت عليه الحكومة الألمانية من معلومات حول ضآلة بنية الدولة في الجنوب والانتقادات الواسعة لوضع حقوق الإنسان والديمقراطية والحريات الأساسية والفساد المالي والإداري وعدم القدرة على السيطرة على كامل الأوضاع في الدولة الوليدة، وجعل برلين لا تبدي أي نوع من الهروب للأمام من حقائق الذي يحدث في الجنوب، إلى درجة أن وزير التنمية والتعاون الدولي الألماني «ديرك نيبل» الذي يتمتع بعلاقة جيدة مع مسؤولين في دولة الجنوب، ظل يدعو إلى حل الخلافات بين جوباوالخرطوم عبر الحوار السياسي، وعدم مواصلة تصعيد النزاع. ويتحدث لأول مرة عن بذل بلاده مع المجتمع الدولي جهوداً من أجل ممارسة ضغط مناسب على الجانبين. وهو ما لم يكن يصرح به من قبل بشأن الجنوب ومساواته مع السودان. ولا تنقطع الصحف الألمانية وبعض وسائل الإعلام تردد لأكثر من أسبوعين تعليقات على ما يجري من اتهامات بين الخرطوموجوبا، وتحفل هذه التعليقات بانتقادات حادة لدولة الجنوب، ولا يمكن الطعن في تحيز هذه الصحف للحركة الشعبية ودولة الجنوب، شأنها شأن وسائل الإعلام الغربية، وهي جزء من النسيج السياسي المؤيد لجوبا ومتعاطف معها. ولمعرفة ما كسبته حكومة دولة الجنوب في حربها ضد السودان وبنظرة سريعة، فلنقرأ التعليقات التالية التي وردت في بعض الصحف الألمانية خلال الفترة القليلة الماضية: قالت صحيفة زود دويتشه تسايتونغ: «بعض القوى في الجنوب تريد الحرب لأنها من وجهة نظرها تصرف النظر عن مشكلات دولة جنوب السودان التي تأسست حديثاً.. في حين يعتقد البعض الآخر في الجنوب أنه لا بد من حرب كبيرة من أجل قهر خصمهم البشير. ولكن هذا المنطق لا يؤدي إلا إلى مزيدٍ من الخراب، لأن البشير استطاع النجاة بالفعل من العديد من المعارك في الماضي. ويجب على الرئيس الجنوبي سلفا كير أن يُبقي جنوده داخل حدود بلاده إذا كان لا يريد أن يبدد تعاطف العالم الذي رافق نشأة دولة جنوب السودان، وهو يشق طريقه الصعب إلى الاستقلال». أما صحيفة أوسنابروكَر تسايتونغ فقد قالت: «عندما أصبح جنوب السودان جمهورية مستقلة في يوليو/ تموز من العام الماضي 2011م، كان هناك تعاطف دولي مع الرئيس الجنوبي سلفا كير. ولكن الحال تغير في الوقت الراهن، وها هو على وشك تبديد الثقة التي مُنِحت له في السابق.. صحيح أن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون دعا شمال السودان أخيراً إلى وقف عملياته العسكرية ضد دولة الجنوب، لكن الرئيس الجنوبي سلفا كير أسهم إسهاماً كبيراً في التصعيد حينما أمر باحتلال الحقول النفطية التابعة للشمال، وفقاً للمحكمة الدولية في لاهاي. وهذا استفزاز غير مقبول».