المتابع لعمليات ترحيل رعايا دولة جنوب السودان يلحظ أموراً مهمة، أولها إتمام العملية دون ضوضاء مع انضباط تام في التصريحات الإعلامية للقائمين بهذا الأمر، رغم ضخامته، فالجمعة التي بدأت فيها تلك العمليات كانت بحق جمعة الرحيل التي أفرحت الجانبين المرحَّلِين والمرحِّلِين على حد سواء، فتصريحات المسؤولين عن المتابعة من حكومة الجنوب يشيدون بحكومة النيل الأبيض وحكومة السودان، ووالي النيل الأبيض يقول إن العلاقات ستظل وطيدة مع أهالي الجنوب لما يجمع الشعبين من علاقات، بل قدم تسهيلات كبيرة في عمليات الجمارك وإجراءات الخروج. بالمقابل لم يتحدث أحد عن الشماليين العالقين بجوبا والذين فرضت عليهم حكومة الجنوب مبلغ مائة دولار، ويدور حديث عن عودة تلك الطائرات التي ينبغي أن تأتي بالشماليين الذين عجزوا عن الوصول لموطنهم الأصلي ولا أدري متى ننفك من هذه الضائقة؟. الشرطة «تاكل معاشا وتشرط قماشا» في وقت سابق كتبت عن المثل الشعبي الذي تردده الأمهات والحبوبات عندما يتخرج أو ينتسب أحد الأبناء لمؤسسة البوليس العريقة، والمثل على بساطته يحمل الكثير من المعاني والدلالات وهو يقول «إن شاء الله تاكل معاشاً وتشرط قماشاً» بمعنى أن تأكل المعاش وأنت في أتم الصحة وتشرط قماشا أي تصل فيها إلى أعلى الرتب، وبمنظور إستراتيجي فالمثل سلبي يشير إلى انتهاء مهمة رجل الشرطة بتقاعده للمعاش حيث لا تبقى له إلا ذكريات الدفعة وبطولات ومغامرات المطاردة، والواقع الآن يشير إلى منتهى آخر لرجل الشرطة إذ تمتد مهامه وعطاؤه ببقائه على قيد الحياة أي من المهد الشرطي إلى اللحد، والذي نلحظه أن الشرطة بدأت تتجه نحو التأهيل العلمي الأكاديمي كواحدة من ضرورات ومتطلبات العمل الشرطي في كل نواحيه، وصار للشرطة ذراع يقوم بمهمة الإسناد العلمي فيتحول المعاشي إلى خبير ومختص، والمعاشي هنا ليس بالضرورة أن يكون ضابطاً وإنما هناك الكثير من ضباط الصف والجنود من حملة الدكتوراه والماجستير ولنا أن نحيي في هذا المقام، على سبيل المثال الرقيب أول شرطة الدكتور محمد عثمان محمد البدوي بالمباحث والتحقيقات الجنائية وخبير علم النفس الجنائي وتحيتنا له لا تقف عند حصوله على درجة الدكتوراه فقط بل تمتد إلى همته العلمية للحصول على دكتواراه أخرى في علم النفس الجنائي، وإن شاء الله يا دكتور «تاكل معاشا وتبقى بروف».. وليت الشرطة تعمل على ترفيع الجنود المؤهلين علميًا.. فهل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟! أفق قبل الأخير: هناك مشردون جنوبيون بالعاصمة كبار سن وأطفال ماذا لو تم ترحيلهم عبر الجسر الجوي؟!. أفق أخير:- ارحل