المتابع لمسيرة الدكتور حسن الترابي زعيم حزب المؤتمر الشعبي السياسية والتنظيمية والفكرية يجدها متنازعة الأفكار والمناهج والأهداف، ولعل كثيراً من الناس يتابع مسيرة الرجل منذ دخوله في تنظيم الإخوان، ثم تأسيسه لجبهة الميثاق، والجبهة الإسلامية انتهاءً بتكوين المؤتمر الوطني، ثم خروجه عقب المفاصلة الشهيرة التي حدثت بين الإسلاميين في العام 1999م وتأسيسه للمؤتمر الوطني الشعبي الذي قام بتغيير اسمه فيما بعد للمؤتمر الشعبي. وها هو الترابي الآن يفكِّر في تأسيس كيان جديد يتجاوز به حزبه السياسي وكيانه الخاص الذي أنشأه مكايدة للمؤتمر الوطني، ولعل هذه الفكرة قد جاءت للترابي بعد الجمود وعدم الفاعلية الذي أحسه في حزبه المريض، بل وعدم قبول المجتمع له بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الحزب الحاكم، لذا رأى الترابي أن التغيير في الاسم والمنهج والفكرة ربما تحدث تحولاً كبيرًا يعيده إلى دائرة الأضواء مرة أخرى «أو إلى خيوط الظلام»، مستندًا على أن التغيير بصفة عامة يجد القبول من المواطنين، وأن كثيرًا من الإسلاميين الذين ابتعدوا عقب المفاصلة ولم ينضموا لأي من المؤتمرين، يحاول الترابي استقطابهم لتكوين وعاء جامع، ثم ليبين الترابي للناس أنه شخصية قومية تجاوزت المرجعيات الإسلامية، وأنه في استطاعته بذات الآليات التي تم بها التغيير فيما سبق يمكن أن يكون التغيير القادم من خلالها، وكل ذلك جعل الترابي يضع مقومات النجاح في المقدمة. ولكن بذات القدر جهل الترابي أشياء أساسية تجعل من الفشل أكبر الاحتمالات لمشروعه الجديد، منها: أن شخصيته أصبحت شخصية مستهلكة لكل قطاعات الشعب السوداني، وليس له من جديد يقدمه، بل أن أكثر المواطنين تفاعلوا مع المؤتمر الوطني غريمه اللدود بعد خروج الترابي بحزبه وبرجاله، بل الأكثر من ذلك أن كثيراً من الأحزاب لم تتوافق مع المؤتمر الوطني في الحد الأدنى من القضايا الوطنية إلاّ بعد خروج الدكتور الترابي، بل أن الترابي ذاته قد اعترف في أحد لقاءاته أن عضوية الحركة الإسلامية ما عادت تلك العضوية كما في السابق، تؤمر فتطيع، بل هناك الكثير من المتغيرات التنظيمية الفكرية قد حدثت منذ أيام المفاصلة الشهيرة. وهناك عامل مهم جدًا يجعل من أحلام الترابي سراباً يحسبه ماء، وهو رأي الترابي الواضح والصريح في الشعب السوداني، ذلك الشعب الذي لا يحترمه الترابي بل ويعتبره مجموعة من الرجرجة والدهماء الذين يوالون أيّ حاكم ويقفون مع كل حكومة، فكيف يصنع الترابي كياناً جديدًا ويريد أن يلتف من حوله هذا الشعب الذي للترابي رأي سالب فيه، بل كيف يريد الترابي من هذا الشعب أن يثور ليسقط النظام ويأتي بالترابي محمولاً على الأعناق ليكون حاكماً عليهم. كما لا يخفى رأي الترابي الواضح والصريح في الطرق الصوفية التي يرى الترابي أنها عبارة عن مجموعات من الدراويش ليس لهم فكر واضح ولا هدف يسعون إلى تحقيقه، وأراد الترابي بدعوته هذه واستلطافه للطرق الصوفية أن يجعل منها معبرًا يعبر به إلى هدفه الأساسي الذي يريد تحقيقه، ألا وهو أن يأتي حاكماً على أهل السودان بشتى الطرق وبكل الوسائل. وفي أكثر من مرة يتحدث الترابي عن قواعد حزبي الأمة والاتحادي، التي يرى فيها الترابي زادًا لمشروعه الجديد، بعد أن اعتبر أن هذه القوى قد فقدت قواعدها بعد تحالفها مع المؤتمر الوطني، لذا يعتبر الترابي أنه الوريث الشرعي لهذه القواعد، التي بدأت على حسب رأيه تؤمن بأفكاره التجديدية. هذه الرؤية التي خرج بها الترابي علينا، جعلتنا أكثر يقينا أن الترابي ما زال يعيش في ضلاله القديم، وأنه ما زال يعيش في أوهامه التي ما فتئت تلازمه، وأن الترابي لا يرعوي من تجارب التاريخ، ولا يقرأ معطيات الواقع بعين فاحصة، بل نذهب أكثر من ذلك ونقول إننا الآن أكثر يقينا أن الترابي بهذه الأفكار التي خرج بها علينا إن كان ما كتب يعتبر فكره أن الترابي أصبح الآن لا يفكر، بل يحاول أن يسترجع الماضي، ويريد أن يعود الزمان كما كان في هيئته الأولى عندما كان الترابي هو الآمر والناهي، والمعطي والممسك، بل يريد الترابي أن يختم حياته التي جاوزت الثمانين بأن يكون من ضمن الرؤساء الذين تعاقبوا على حكم السودان، حتى يسطر اسمه في سجلات التاريخ، ويذكره الناس ولو بحسنة واحدة فعلها في حق الشعب السوداني، ولكن هيهات!! فلا الشعب يمكن أن يحقق له ما يريد، ولا أحسب أن ما بقي من أيامه يسمح له بتحقيق أحلامه، والأعمار بيد الله.