أليس عجباً أن يُتهم وزير الزراعة شخصياً بإهلاك الحرث والنسل؟ ولولا أن هذه الرسالة قد وصلتني من المهندس عبد اللطيف محمد عبد الرحيم، وهو رجل قد تربى على ضفاف النيل وبين أشجار النخيل الباسقة في شمال السودان ولم ينس يوماً رائحة «البوغة» لما نشرتها. وحسب علمي فإنّ عبد اللطيف إنما كان يريد المشاركة في تعمير الأرض بالعمل من أجل إيجاد بديل للاغتراب بالعمل في مجالي الزراعة والإنتاج الحيواني، إلا أن هنالك جهات لا تبالي بمخالفة الأنظمة وتسبح ضد التيار وتتسبب بذلك في وضع العراقيل أمام العمل المنتج و ينبغي ألا ينطلي ذلك على المسؤولين عن هذه القطاعات الحيوية التي تمثل المخرج الوحيد لإنسان السودان مما يعانيه من ضائقة معيشية طاحنة حولته إلى شخص يلهث وراء قوت يومه دون سواه من الأمور الأخرى. يفيد المهندس عبد اللطيف بأن الماء قد قطع عن مزارعهم مع العلم بأن النيل لا يبعد عن هذه المنطقة المنتجة سوى بعض كيلومترات معدودة! ومن المؤسف حقاً أن يكون الأمر بمثل هذا التصرف الخاطئ قد جاء من أرفع شخص مسؤول عن هذا القطاع في الدولة حيث تشير الأصابع إلى السيد وزير الزراعة والري، الدكتور عبد الحليم المتعافي شخصياً، ولو صح هذا الكلام فإن البرنامج الزراعي والهيكل الإداري المسؤول عنه لا بد من أن يعاد فيه النظر بأسرع وقت ممكن لأن الزراعة والثروة الحيوانية هما عماد الاقتصاد السوداني كما هو معلوم بالضرورة. وبعد الاتصال ببعض من لهم صلة بهذا الملف اتضح أن الإجراء إنما اتُّخذ من أجل تنظيم وضبط بعض التصرفات الفردية التي لا تنسجم مع أغراض هذه المزارع من بعض ذوي الشأن والمناصب. وإذا كانت هنالك ملاحظات فيجب ألا يأخذ الناس على طريقة «المجرم وجيرانه» وإن كان ذلك من أجل تنظيم العمل وتقنينه؛ ونرجو ألا تطول المدة فيتضرر الناس أكثر. وبما أن المسألة تتعلق ببعض المزارع فنرجو أن تكون هنالك عقوبات رادعة لمن يخالف النظام وهذا أمرمطلوب ولكن نحب أن نذكر المسؤولين بأن القرار هنا يتعلق بزروع وحيوانات من دواجن وأبقار ولذلك فإن هلاكها يعد بمثابة إهلاك للحرث والنسل؛ ومعلوم أن هذه المزارع هي التي تمد الخرطوم بمعظم حاجتها من الدواجن و منتجات الألبان. سيادة الوزير إن تعطيل مثل هذه المشروعات المنتجة إنما هو إضعاف للاقتصاد القومي الذي ينبغي أن تكون الزراعة والإنتاج الحيواني وليس البترول والذهب هي مقوماته الأساسية ولذلك فإن المطلوب هو استغلال عائدات هذه الموارد لتشجيع وتحسين الزراعة بتوفير مدخلات الإنتاج والمعينات الأخرى وتمويل المنتجين من كل المستويات وفي كل أنحاء البلاد بلا استثناء. ونحن هنا لا نتحدث عن شمال كردفان أو جنوب دارفور وإنما عن مزارع متاخمة للمرحوم مشروع الجزيرة وهي بالتالي يجوز لها أن تنال نصيبها من الميراث في هذا العملاق على أقل تقدير بأن يوفر لها الري والدعم الفني وتمتد لها يد المساعدة. وقد تكون هذه المزارع ضحية لقرب موقعها من الخرطوم حيث تشير بعض الإفادات إلى ممارسات خاطئة تجري في بعضها مما حدا ببعض الجهات المسؤولة أن تلجأ إلى هذا التصرف ولكنها «شافت الفيل وطعنت ضله» إذ من المفترض أن تطول العقوبة فقط الجهات المخلة بالنظام وليس غيرها. وهأنذا أضع رسالة المهندس بين يدي السيد وزير الزراعة وراعي النهضة الزراعية الأستاذ علي عثمان محمد طه فإلى نص الرسالة التي تقول: «نرفع شكوانا إلى النائب الأول حادي النهضة الزراعية... نحن مزارعي ومستثمري مزارع شمال الجزيرة «خارج المشروع» من أبو عشر حتى سوبا. لقد فوجئنا منذ أكثر من أربعة أشهر بتوقف مياه الري من الترعة الرئيسة والترعة الفرعية لمحلج الباقير والتى منها نقوم بإنتاج الخضر والفاكهة والأعلاف لأبقارنا وقطعاننا ومنتجات الدواجن اللاحم والبياض. وحسب ما علمنا فإن سبب ايقاف المياه هو القيام ببناء بعض كبارى العبور ولكن طال الزمن وقد علمنا أن سعادة وزير الزراعة الدكتور المتعافي هو من أمر بإيقاف المياه نهائياً وبدون إعلان وبدون أدنى تفهم لأوضاع آلاف المزارعين وملايين الأبقار والمواشي.. هذا القرار الجائر يهدد بهلاك 2,5 مليون رأس من الثروة الحيوانية بالإضافة لإفلاس المزارعين وتعثر تسديد قروض البنوك إلخ... يحدث ذلك فى الوقت الذى تبذل فيه الدولة كل جهدها لترقية النشاط الزراعى والحيوانى لمعالجة الفجوات الغذائية ونقص إيرادات الدولة.. نحن الآن نتعرض لإجراءات ظالمة وغاشمة ما أنزل الله بها من سلطان.. وإن وصفت فلا توصف إلا أنها اتخذت من منطلقات أقلها أنها سرية حاقدة تؤدي إلى تحقيق دمار ماحق بهذا القطاع الاستراتيجى الأهلي المنتج .. كما تمثل إحباطاً وتخذيلاً لكل المستثمرين الوطنيين والأجانب وخطة ماكرة «لتطفيشهم» وإيجاد المبررات لنزع أراضيهم وتسليمها لآخرين نعلمهم ونعلم جنسياتهم الخ... نأمل أن يأمر سعادة النائب الأول بالتحقيق فى هذا الأمر وإيقاف العبث الذى يمارس ضد حقوق المواطنين.» كما نشير هنا إلى بعض المشاهدات التي تتعلق بقطاع الثروة الحيوانية خاصة وأن وسائل الإعلام تتحدث هذه الأيام عن تصدير إناث الإبل حرصاً منا على عدم خسارة عائدات هذا القطاع كما خسرنا سوق القطن والصمغ العربي والسمسم من قبل. فمثلاً هنا في السعودية تمّكن بعض المهتمين بتربية الأغنام من إنتاج هجين من الفحول السودانية مع النعاج «النجدية» فتوصلوا لإنتاج ما يسمونه «مزايين الضأن» التي يباع الرأس الواحد منها بمبلغ يتراوح ما بين 60 إلى 100 ألف ريال سعودي! من جانب آخر رأيت فحلاً سودانياً من إبل كنانة بلغت قيمته حوالى مليوني ريال سعودي؛ مما يدل على أن هنالك تهريبًا للفحول؛ علاوة على أن الإناث من إبل كنانة ورفاعة قد أصبحت رائجة جداً في سوق «مزايين الإبل» ولذلك نخشى أن يأتي اليوم الذي تكون فيه السلالات السودانية قد انتقلت إلى دول الجوار و قد نخسر نتيجة لذلك بعضاً من أهم أسواقنا.. ومن هنا نقول للدكتور فيصل حسن إبراهيم «الجفلن خلّهن، أحرص على البايتات» و هذا يتطلب التنسيق مع كل الأجهزة ذات الصلة وإلا فسيكون الضرر بليغًا يصعب تلافيه؛ ويا دكتور المتعافي ...لا تهلك الحرث والنسل وأعد النظر في قرارك.