المتعافى.. لا تهلك الحرث والنسل ! محمد التجاني عمر قش_ الرياض [email protected] أليس عجباً أن يتهم وزير الزراعة شخصياً بإهلاك الحرث والنسل؟ ولولا أن هذه الرسالة قد وصلتني من المهندس عبد اللطيف محمد عبد الرحيم، وهو رجل قد تربى على ضفاف النيل وبين أشجار النخيل الباسقة في شمال السودان ولم ينس يوماً رائحة "البوغة" لما نشرتها. وحسب علمي فإنّ عبد اللطيف إنما كان يريد المشاركة في تعمير الأرض بالعمل من أجل أيجاد بديل للاغتراب بالعمل في مجالي الزراعة والإنتاج الحيواني، إلا أن هنالك جهات لا تبالي بمخالفة الأنظمة وتسبح ضد التيار و تتسبب بذلك في وضع العراقيل أمام العمل المنتج و ينبغي ألا ينطلي ذلك على المسئولين عن هذه القطاعات الحيوية التي تمثل المخرج الوحيد لإنسان السودان مما يعانيه من ضائقة معيشية طاحنة حولته إلى شخص يلهث وراء قوت يومه دون سواه من الأمور الأخرى. يفيد المهندس عبد اللطيف بأن الماء قد قطع عن مزارعهم مع العلم بأن النيل لا يبعد عن هذه المنطقة المنتجة سوى بعض كيلومترات معدودة! ومن المؤسف حقاً أن يكون الأمر بمثل هذا التصرف الخاطئ قد جاء من أرفع شخص مسئول عن هذا القطاع في الدولة حيث تشير الأصابع إلى السيد وزير الزراعة و الري الدكتور عبد الحليم المتعافي شخصياً ولو صح هذا الكلام فإن البرنامج الزراعي و الهيكل الإداري المسئول عنه لا بد من أن يعاد فيه النظر بأسرع وقت ممكن لأن الزراعة والثروة الحيوانية هما عماد الاقتصاد السوداني كما هو معلوم بالضرورة . وبعد الاتصال ببعض من لهم صلة بهذا الملف اتضح أن الإجراء إنما اتخذ من أجل تنظيم و ضبط بعض التصرفات الفردية التي لا تنسجم مع أغراض هذه المزارع من بعض ذوي الشأن والمناصب. و إذا كانت هنالك ملاحظات فيجب ألا يأخذ الناس على طريقة " المجرم وجيرانه" وإن كان ذلك من أجل تنظيم العمل وتقنينه؛ و نرجو ألا تطول المدة فيتضرر الناس أكثر. وبما أن المسألة تتعلق ببعض المزارع فنرجو أن تكون هنالك عقوبات رادعة لمن يخالف النظام وهذا أمرمطلوب ولكن نحب أن نذكر المسئولين بأن القرار هنا يتعلق بزروع و حيوانات من دواجن وأبقار ولذلك فإن هلاكها يعد بمثابة إهلاك للحرث والنسل؛ ومعلوم أن هذه المزارع هي التي تمد الخرطوم بمعظم حاجتها من الدواجن و منتجات الألبان. سيادة الوزير إن تعطيل مثل هذه المشاريع المنتجة إنما هو إضعاف للاقتصاد القومي الذي ينبغي أن تكون الزراعة والإنتاج الحيواني وليس البترول والذهب هي مقوماته الأساسية ولذلك فإن المطلوب هو استغلال عائدات هذه الموارد لتشجيع وتحسين الزراعة بتوفير مدخلات الانتاج والمعينات الأخرى وتمويل المنتجين من كافة المستويات و في كل أنحاء البلاد بلا استثناء. ونحن هنا لا نتحدث عن شمال كردفان أو جنوب دارفور وإنما عن مزارع متاخمة للمرحوم مشروع الجزيرة وهي بالتالي يجوز لها أن تنال نصيبها من الميراث في هذا العملاق على أقل تقدير بأن يوفر لها الري والدعم الفني وتمتد لها يد المساعدة. وقد تكون هذه المزارع ضحية لقرب موقعها من الخطوم حيث تشير بعض الإفادات إلى ممارسات خاطئة تجري في بعضها مما حدا ببعض الجهات المسئولة أن تلجأ إلى هذا التصرف ولكنها " شافت الفيل وطعنت ضله" إذ من المفترض أن تطال العقوبة فقط الجهات المخلة بالنظام وليس غيرها. وهأنذا أضع رسالة المهندس بين يدي السيد وزير الزراعة و راعي النهضة الزراعية الأستاذ علي عثمان محمد طه فإلى نص الرسالة التي تقول:( نرفع شكوانا الى النائب الأول حادي النهضة الزراعية ...نحن مزارعي ومستثمري مزارع شمال الجزيرة (خارج المشروع) من أبو عشر حتى سوبا. لقد فوجئنا منذ أكثر من أربعة أشهر بتوقف مياه الري من الترعة الرئيسية والترعة الفرعية لمحلج الباقير والتى منها نقوم بإنتاج الخضر والفاكهة والأعلاف لأبقارنا وقطعاننا ومنتجات الدواجن اللاحم والبياض. وحسب ما علمنا فإن سبب ايقاف المياه هو القيام ببناء بعض كبارى العبور ولكن طال الزمن و قد علمنا أن سعادة وزير الزراعة الدكتور المتعافي هو من أمر بإيقاف المياه نهائياً وبدون إعلان وبدون أدنى تفهم لأوضاع آلاف المزارعين وملايين الأبقار والمواشى .. هذا القرار الجائر يهدد بهلاك 2,5 مليون رأس من الثروة الحيوانية بالإضافة لإفلاس المزارعين وتعثر تسديد قروض البنوك إلخ ...يحدث ذلك فى الوقت الذى تبذل الدولة كل جهدها لترقية النشاط الزراعى والحيوانى لمعالجة الفجوات الغذائية ونقص إيرادات الدولة .. نحن الآن نتعرض لإجراءات ظالمة وغاشمة ما أنزل الله بها من سلطان .. وإن وصفت فلا توصف إلا أنها أتخذت من منطلقات أقلها أنها سرية حاقدة تؤدي إلى تحقيق دمار ماحق لهذا القطاع الاستراتيجى الأهلي المنتج .. كما تمثل إحباطاً وتخذيلاً لكل المستثمرين الوطنيين والأجانب وخطة ماكرة "لتطفيشهم" وإيجاد المبررات لنزع أراضيهم وتسليمها لآخرين نعلمهم ونعلم جنسياتهم الخ...نأمل أن يأمر سعادة النائب الأول بالتحقيق فى هذا الأمر وإيقاف العبث الذى يمارس ضد حقوق المواطنين.) كما نشير هنا إلى بعض المشاهدات التي تتعلق بقطاع الثروة الحيوانية خاصة وأن وسائل الإعلام تتحدث هذه الأيام عن تصدير إناث الإبل حرصاً منا على عدم خسارة عادئات هذا القطاع كما خسرنا سوق القطن و الصمغ العربي والسمسم من قبل. فمثلاً هنا في السعودية تمّكن بعض المهتمين برتبية الأغنام من إنتاج هجين من الفحول السودانية مع النعاج "النجدية" فتوصلوا لإنتاج ما يسمونه "مزايين الضأن" التي يباع الرأس الواحد منها بمبلغ يتراوح ما بين 60 إلى 100 ألف ريال سعودي! من جانب آخر رأيت فحلاً سودانياً من إبل كنانة بلغت قيمته حوالي 2 مليون ريال سعودي؛ مما يدل على أن هنالك تهريب للفحول؛ علاوة على أن الإناث من إبل كنانة ورفاعة قد أصبحت رائجة جداً في سوق "مزايين الإبل" ولذلك نخشى أن يأتي اليوم الذي تكون فيه السلالات السودانية قد إنتقلت إلى دول الجوار و قد نخسر نتيجة لذلك بعضاً من أهم أسواقنا. ومن هنا نقول للدكتور فيصل حسن إبراهيم ( الجفلن خلّهن، أحرص على البايتات) و هذا يتطلب التنسيق مع كل الأجهزة ذات الصلة وإلا سيكون الضرر بليغًا يصعب تلافيه؛ ويا دكتور المتعافى ...لا تهلك الحرث والنسل وأعد النظر في قرارك.