نشرت صحيفة (التيار) في الأيام القليلة الماضية حلقات من سرد تاريخي للعقيد د. محمد الأمين خليفة تحت عنوان «تجربتي من ود بندة إلى القصر الجمهوري» وقد وقع في يدي عدد الأربعاء «16/5» وهو العدد الذي تصادف فيه سرد أطراف من أحداث ليلة انقلاب الإنقاذ وما قبلها وما بعدها، من وجهة نظر العقيد خليفة. قال العقيد محمد الأمين خليفة في معرض حديثه للتيار: «أيضاً قمت بتأمين الوحدات والأسلحة بمنطقة الخرطوم بحري مثل سلاح النقل والمهمات والصيانة وكتيبة المظلات بشمبات» فالذي عناه محمد الأمين هو تأمين التغيير وهو الأعمال التي تسبق إكمال التغيير ونجاح الانقلاب، فسلاح المهمات كنت أنا قائد التنفيذ فيه، وقد شاهدت العقيد محمد الأمين عند بوابة سلاح المهمات لمدة دقيقة أو دقيقتين انطلق بعدها راجعاً، ودون أن يقابلني وكان حضوره في ضحى يوم الجمعة وبعد أن قمت بتنوير القوة من الضباط والرتب الأخرى وتوزيع المهام.. فلقد نسب محمد الأمين كل شيء إلى نفسه ولم يثبت الحق لأهله وأنا زميله وابن دفعته، والله عز وجل يحذر من سوء عاقبة الذين يريدون أن يحمدوا بما لم يفعلوا لقوله تعالى: (فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب) صدق الله العظيم. ويتوعد نبينا عليه الصلاة والسلام ويحذر من «غمط الناس» وذلك في حديث الكبر. ولكي يعرف الناس من الذي قام بتأمين سلاح المهمات نعيد ذكر أحداث هذا التاريخ لحسن الحظ كل شهوده من الأحياء فأقول: إن ليلة الخميس حسب جدول الاستعداد الساري كانت من واجب زميلي العقيد الطيب الصديق، فقمت أنا باستبدالها له بليلة الإثنين القادم، بحجة أن عندي مهمة خاصة في ذلك اليوم، وحيث لم يكن الزميل الطيب على علم بهذا العمل.. والضابط الوحيد الذي رافقني في تلك الليلة هو ملازم اسمه زكريا جاء من الاستخبارات، وقد افترش زكريا مرتبة على أرض المكتب نام عليها، وبقيت طوال الليل بين الجلوس على مكتبي، والطواف على مرافق الوحدة وبيدي جهاز الاتصال وهو من الأجهزة التي كانت تعمل على الشبكة العامة التي تربط بين القيادة العامة والمدرعات والإذاعة وغيرها، وصليت فجر يوم الجمعة «30 يونيو» بوضوء العشاء ليوم الخميس «29 يونيو».. بدأت بإيقاظ وتنوير العقيد الأمين التجاني قائد ثاني سلاح المهمات والذي كان مبيته تلك الليلة في إطار الاستعداد «100%»، ومن ثم قمنا بجمع وتنوير الضباط والصف والجنود. أذكر أنه في نهار ذلك الخميس كان عليَّ أن أذهب إلى الدروشاب بالخرطوم بحري لإحضار أسرة أخي «حسين» إلى مكان قرب القيادة بالخرطوم ليسافروا على عربة إلى الأبيض، قال لي أحد أقارب الأسرة بالدروشاب: «ياخي ما تخلصونا من الناس ديل» أخفيت شعوري بالمفاجأة وقلت له مداعباً مموهاً (حتأيّدونا؟) فقال بحماس شديد: «نموت معاكم» وقلت له: ممعناً في التمويه والدعابة «استعدوا». وأخبروني بحاله صباح الجمعة عندما علم أنني أحد أبطال هذه الثورة التي تفجرت. وأخيراً تأتي هذه السطور اضطراراً لا لحاجة سوى إحقاق الحق، ونؤكد هنا حقيقة غائبة هي: أن أبطال ذلك التغيير لم يُعرف منهم إلا الذين برزوا على سطح الأحداث من خلال المناصب، أما الباقون فلم يعرفهم أحد حتى الآن، واختفت ملامحهم بين الزحام، وأعتقد أن هذه تعتبر لعنة في مسار الإنقاذ حيث تم تقديم عشرات أضعافهم من كل نطيحة وسائبة.