تشتهر الطرفة التي تقول إنه في إحدى القرى توفي العمدة إلى رحمة مولاه.. وكان العرف يقتضي أن يخلفه ابنه.. وشاءت الظروف أن ود العمدة كان «عوقة» و«عوير» و«هطلة» ولا يعرف كيف يتحدَّث وماذا يقول ولمن يقول وفيما عدا ذلك فقد كان شكله جميلاً وجسمه قويماً وكان عريض المنكبين «مشرئب» «الأبعاع» «شلولخ» تماماً مثل وصف عادل إمام في مسرحية «شاهد ماشافش حاجة».. ولهذا فإن أهل الحل والعقد في القرية رأوا أن يجعلوا من الولد عمدة في الظاهر على أن يكون خاله مشرفاً عليه وقائماً بأمره وحاكماً نيابة عنه.. وفي ذات يوم برزت مشكلة ثأر بين قرية العمدة والقرية المجاورة لها واحتاج أهل القرية أن يرسلوا وفداً رفيع المستوى من كبار رجالات القرية للتفاهم والتفاوض مع أهل القرية الأخرى والتوصل معهم إلى حل في قضية القتيل ودفع الدية.. وتم تجهيز الوفد من الخال والشيخ والصمد والتاجر وبرفقة العمدة العوير الذي لا يعرف كيف أو ماذا يقول.. وخال العمدة أوصاه بأن لا يفتح «خشمه» وأن يظل ساكتاً دون أي نوع من الحدث؛ لأن كلامه «يخرب المجلس».. وفعلاً ظل الولد ساكتاً دون حديث مستغرقاً في الصمت العميق وكان منظره جذاباً ويوحي بأنه رجل كامل الدسم «عمة وجلابية وملفحة وعصاية ومركوب وعلبة سجاير وسبحة وحقة صعوط وكل الإكسسوارات اللازمة لإبراز الشخصية المكتملة» وبعد الحديث والأخذ والرد توصل الوفدان إلى الحلول الناجعة التي رضي بها الطرفان وزغردت النسوان وكبر الرجال ونحرت الذبائح، وجاء الشباب يحملون الصواني المليئة بلحوم العشاء والمرارة.. وأكل الناس وشربوا وبدأوا يتجاذبون الحديث والونسة العادية و«هاك يا ضحك وقرقراب».. والخال رأى أنه ليس من الذوق أن يظل ابن أخته وبمنظره الجميل هذا صامتاً وساكتاً وهو العمدة المعتمد رسمياً.. ولهذا فقد سمح له بأن يقول شيئاً بسيطاً خاصة أن الحديث قد انتقل من طور التفاوض الجاد الساخن إلى طور المودة والتواصل والونسة العادية.. والولد لم يكذب واقتنص فرصة سكوت الناس ليرفع صوته موجهاً سؤالاً إلى خاله قائلاً: «يا خالي إنت رأسك الكبير دا طلع من بطن أمك كيف؟» والخال ندم على أن ترك هذا العوير يتكلم.. وحكومتنا مظلومة ظلم الحسن والحسين ودولتنا مظلومة لأنها لا تملك «إعلاماً» يساعدها في إبراز قضاياها ولا تملك إعلاماً يوصل إلى العالم صوتها وآمالها وأحلامها ومطالبها ونظامنا الإعلامي «كله» عبارة عن سماحة جمل الطين.. من بره هلاّ هلاّ ومن جوه يعلم الله.. جهازنا لا يعرف كيف يتحدَّث ولا يعرف ماذا يقول وصوتنا غير مسموع في الخارج.. وإعلامنا موغل في المحلية.. فكيف نأمل أن يسمعنا مجلس الشيوخ البريطاني، وكيف نتوقع أن يتابعنا الكونغرس الأمريكي وكيف نستطيع أن نوصل وجهة نظرنا إلى مجلس الأمن الدولي، وإلى سوزان رايس وكونداليسا رايس وساركوزي ومادين أولبرايت، وإلى عضوية الأممالمتحدة، وإلى أعضاء المجالس التشريعية في غرب أوربا ودول شرق آسيا ونحن لا نملك من يعرف التحدّث باللغة الإنجليزية، وكيف نتوقع أن يتوقف أحد ليستمع لإذاعاتنا أو «يشوف» قنواتنا الفضائية إذا كنا لا نعرف غير «أطيب عدس أحسن عدس نيفر نيفر نيفر».. وأعتقد أنه قد آن الأوان أن تقوم الحكومة «بتأجير» وتعاقد كوادر إعلامية مستجلبة من الخارج على سبيل الاستشارة الفنية من مذيعين ومقدمي برامج ومعدي برامج إستراتيجية وصحفيين أجانب «يعني بالعربي خواجات وخواجيات» يعملون في الإعلام المسموع والمقروء والمرئي ولمدة ثلاثة أعوم متتالية حتى نوصل رؤيتنا إلى كل العالم حتى ولو كلفنا ذلك مليار دولار.. مشكلتنا أيتها الحكومة أننا مظلومون في الإعلام وأضعف حلقات الإنقاذ هي الإعلام وحتى شعاراتنا في الخارج غير قادرة على توصيل وجهة نظرنا.. ومعظم ممثلينا في الإعلام الخارجي لم يبقَ لهم غير أن يقولوا لنا: (إنتو يا خالي رأسكم دا طلع كيف من بطن أمكم)...