عندما توفي حضرة العمدة في احدي القرى كان لابد أن يخلفه أبنه وهو امر شائع ومطلوب مقبول، وعلى الرغم من أن الابن الوريث الشرعي كان قوى البنية وجميل الكل وذو هيبة واضحة عندما يلبس العمة والجلابية الا أنه كان (عوير) وغبي وبليد للدرجة التي يمكننا أن نقول انه كان لا يعرف كيف يتحدث او ((يفتح خشمو)) ... وعلى الرغم من كل ذلك وبناء على وصية أبيه فقد تم تنصيبه عمدة بدلاً من العمدة المرخوم الا أن مجلس القرية قرر أن يكون خاله مشرفاً عليه وملازماً له ولصيقاً به حتى يتمكن من رعايته وتوجيهه ومتابعته وملاحقته في كل صغيرة وكبيرة .. ويقال أنه ذات يوم تقرر ارسال وفد من القرية لكي يزور القرية الاخرى وذلك للتفاوض بين الفريقين من مسألة الدية والعفو بسبب جريمة القتل التي قام بها أحد منسوبي هذه القرية عندما اغتال أحد أبناء القرية الأخرى .. وبالطبع كان لا بد أن يكون الولد ((العمدة)) من أحد اعضاء الوفد المهمين .. وقد قام خاله بنصيحته والتشدد معه بلهجة صارمة طالباً منه أن ((لا يفتح خشمو)) بأي كلام في الاجتماع والمطلوب فقط أن يظل جالساً وفي هدوء تام وهو بمنظره الجاذب وملابسه النظيفة سوف يكون عنصراً لامعاً وبراقاً في الاجتماع القروي .. وبالفعل فان الوفد وصل الى القرية وقام ممثلو القرية الاخرى بالاهتمام بهم واتفقوا معهم على كل التفاصيل الخاصة بامر الدية والتعويض في قضية القتيل وبقي فقط أن يقدموا لهم طعام العشاء الذي كان مكونا من اللحوم والمشويات اللبن والشاي والسمن والعسل .. ويبدو أن الونسة قد ((جرت)) ورأي الخال ابن أخته ((العمدة)) لم يقل أي كلمة منذ أن حضروا وحتى الآن ... والناس في هذه اللحظات ياكلون ويتسامرون ويضحكون فلا يعقل أن يظل عمدة البلد ساكتاً دون مشاركة مهما كانت قليلة .. ولهذا فقد أشار الخال الى العمدة أبن اخته وطلب منه أن يقول شيئاً – أي شيء – فقط عليه أن ختصر وأن يكون لبقاً وحصيناً ومتوازناً ويختار ما يقوله بعناية تامة. وجاءت اللحظة عندما سكت الناس وهم يلاحظون أن العمدة يريد أن يقول شيئاً فأرخوا سمعهم وصمتوا وانتظروا العمدة الذي اعتدل في جلسته ورفع صوته عالياً مخاطباً خاله قائلاً: (( انت يا خالي رأسك الكبير ده مرق كيف من بطن أمك)) وبالطبع ((اتخلع)) الناس وبهتوا و ((صنقعوا)) ودقروا ولم يقدروا أن يضحكوا لأن خال العمدة ((حيزعل)) ولم يعلقوا أي تعليق فقط عملوا على انهاء الجلسة وتوديع الوفد الى أهله والخال مهجوم .. ومناسبة هذه المقدمة أننا نحتار ونستغرب ونتحير ونحن نسمع تعليقات وافادات بعض المفاوضين والناطقين الذين كان الأجدر بهم أن يكونوا سكوتاً بدلاً من أن يسمعونا ذلك ((الدراب)) ولعلنا لم نتمكن حتى الآن من ابتلاع ما قاله ذلك الرجل ليذكرنا بان من ينتظر الوحدة فان قطارها قد ولي وانه يحلم فقط .. وأن من ينادي بالوحدة من ((جانبهم )) سوف يذبح مثل الشاة .. وعلى الرغم من أن الرجل كان كامل الهيئة وممتلئ الجسم ولابس كويس وعريض المنكبين و ((شلولخ)) الا أن ما يقوله يقرب تماماً مما قاله ود العمة العوير مخاطباً خاله سائلاً اياه عن الطريقة التي ((مرق بيها)) رأس الخال الكبير من ((بطن)) الام الضغير.. ونجد انفسنا هنا عاجزين تماماً عن الرد على مثل هذا الزول لأن ولاة أمورنا قالوا لنا ان ((الوحدة جاذبة)) وقلنا كويس وقالوا لنا ((مافي زول يفتح خشمو)) وقلنا كويس ..ز ولأننا دائماً نسمع الكلام ونطيع لأوامر ونرفع التمام فسنظل صامتين زي ود العمدة الى أن يؤذن لنا في الكلام المباح أو غير المباح.. وعندها ربما ((نردح)) عديل أو على أسوأ وأقل الفروض سوف نقول للمتحدث الناطق الذي يهرف بما لا يعرف أننا نستغرب ونتساءل كيف خرج رأس الزول ده من ((بطن)) امو .. فالرجل رأسه ضخم جداً فيما نري. نقلاً عن صحيفة الوطن 14/7/2010م