إن أراد أحد الحكم على نظام الحكم في بلده، فلينظر إلى اقتصاده إلى أين يسير، وهل الاقتصاد الذي يدير ذلك البلد يصب في مصلحة المواطن ويوفر له كريم العيش!! وهذه مسؤولية تقع على عاتق الدولة والنظام الحاكم، ويتحمل النظام المسؤولية الكاملة عن تردي الاقتصاد وضنك العيش الذي يعيشه المواطن، وعليه تقع المسؤولية كاملة!! القرارات الأخيرة تشير إلى أن النظام تنصَّل من مسؤولياته ووضعها على كاهل السوق أي أنه ترك الدولار لتقديرات السوق، أي أنها جعلت من الدولار في حد ذاته سلعة، والسلعة الرائجة التي لا يطولها المواطن العادي بل الغالبية العظمى من الشعب، وتحصر تداوله على قلة تتحكم في مأكل الشعب ومشربه، وهو أمر منهي عنه بنص القرآن الكريم.. تعويم العملة السودانية إن لم يدعمه إنتاج محلي فهذا يعني القضاء على العملة السودانية رغم الأزمة الاقتصادية العالمية فإن أمريكا لم تخفض من قيمة عملتها، رغم أن سعر الدولار مقابل العملات الأجنبية الأخرى منخفض وبدلاً من تخفيض عملتها رسمياً تقوم بضخ كميات أكبر من عملتها في الأسواق فيقل الطلب عليها وتنخفض قيمتها عالمياً، ولكن أمريكا تكسب من ذلك التخفيض غير المعلن كثيراً حيث تغمر الأسواق المنتجات الأمريكية وتصبح منافساً قوياً لمنتجات الدول الأخرى، والتي يقع على عاتقها رفع قيمة الدولار وليس على أمريكا، فتشتري البنوك المركزية الكبرى كاليابان وألمانيا وحتى الصين الدولار حتى ترتفع قيمته للحد الذي يجعل منتجاتها منافسة للمنتجات الأمريكية. السوق الأمريكية وهي الأهم بالنسبة للاقتصاد الأمريكي لا تتأثر بهذا الخفض أو ارتفاع قيمة الدولار، وتظل الأسعار في تلك السوق على مستوياتها، ولا ترتفع الأسعار كما يحدث عندنا!! كيف للاقتصاد في السودان أن يستقيم وليست له قاعدة إنتاجية!! إن من يريد أن يقوم الاقتصاد دون القاعدة الإنتاجية إنما يشرع في قتل السودان! إن المعركة الضروس التي تقودها المالية من أجل تخفيض سعر الدولار هي معركة في غير معترك، إذ أنها لا تنعكس على المنتج وتخفيض سعر الدولار مقابل الجنيه لا يرفع من قيمته، والذي يرفع من قيمة الجنيه هو الإنتاج الحقيقي!! أما الإجراءات التي تقوم بها المالية من أجل رفع قيمة الجنيه هكذا بدون إنتاج، فإن هذا لا يعدو كونه خداعًا للنفس قبل خداع الآخرين وتكون المعالجات الاقتصادية للأزمة مجرد بنج موضعي سرعان ما يفقد تأثيره وبعدها يكون الألم مضاعفاً لا تجدي الإجراءات السابقة لتسكينه!! الاقتصاد الوطني غير قادر على إنتاج السلع وتقديم الخدمات وهذا بدوره يقود إلى دورة من التدمير الاقتصادي، فالإنتاج الزراعي والصناعي هو المصدر الوحيد لجلب العملات الصعبة، وخفض قيمة الجنيه لا يتأثر بها العالم خارجياً فهو ليس من العملات العالمية والذي يعاني جراء هذا التخفيض هو المواطن؛ فالعالم لا يتعامل معنا بعملتنا إنما يتعامل معنا بالدولار، وأي عملة أياً كانت لا تحميها القرارات إنما يحميها الإنتاج.. القرارات المالية هذه لا تحمي المواطن ولا تشجع منتجاً، وسؤال أود أن يجيب عنه وزير المالية والقائمون باقتصاد البلاد المهتز كيف سيواجهون الموسم الزراعي وهو قد بدأ بالفعل، هذا إن أخذنا في الاعتبار أن النيل الأزرق وجبال النوبة قد خرجا من الدورة الاقتصادية، هل سيكون الاعتماد على القضارف وحدها، ألا يرفع تخفيض قيمة الجنيه من سعر العمالة، وحتى إن لجأ المزارعون للميكنة فكم سيكون سعر الآلية الزراعية؟ حتمًا سترتفع المنصرفات على الفدان هذا إلى جانب الإنتاج الهزيل الذي لا يتعدى الثلاثة أو الأربعة جوالات للفدان، وقبل هذا وذاك هل من ضمانات لهطول الأمطار على كل المناطق الزراعية في القضارف وهل المشروعات المروية في حالة تؤهلها لسد العجز في الإنتاج بسبب خروج النيل الأزرق وجنوب كردفان من الدورة الإنتاجية؟ ماذا أعدت المالية والزراعة من قرارات لإنجاح الموسم الزراعي وتهيئة المشروعات المروية لتقدم وتعوض النقص الذي سيحدث في الحبوب الغذائية، ماذا ستفعل المالية حين تحدث أزمة غذائية يحتاج فيها السودان لملايين الأطنان من الحبوب الغذائية كالقمح والذرة؟.. هل ستقوم حينها بعملية تعرية جديدة للجنيه السوداني للدرجة التي يعجز فيها المواطن من شراء رغيف الخبز ولا أتحدث عن اللحوم والمواد الأخرى كالزيت والخضروات، وحتى الأسماك والدواجن التي يعدها العالم طعام الفقراء.. إن أي سياسة تطبق ما لم تحمل في طياتها ضمانات اقتصادية هي سياسة فاشلة، حتى الحرية ما لم يؤمنها الاقتصاد بضماناته فهي ليست حرية إنما فوضى وهذا ما سيحدث جراء سياسات النظام الفاشلة!!