كتب رئيس الوزراء الاسرائيلى (آرييل شارون) مذكراته التي اختار لها اسم (المغوارThe Warrior). وقد تناول آرييل شارون في مذكراته تفاصيل لقاءاته مع الرئيس جعفر نميري. قال شارون (في اجتماع سري في 13/مايو 1982م التقيت بالرئيس السوداني جعفر نميري، للتباحث في قضايا استراتيجية تخص القارة الأفريقية. تمَّ ترتيب الإجتماع السّرِّي مع جعفر نميري بواسطة (يعقوب نمروديYakov Nimrodi) وهو صديق قديم لي، عمل عدداً من السنين في مخابرات الجيش الإسرائيلي، وذلك قبل أن يصبح فيما بعد رجل أعمال دولي. كان حلم «نمرودي» أن يتم استخدام التعاون الإقتصادي، لخلق مصالح اقتصادية ثنائية بين إسرائيل والدول العربية، تقود بدورها إلى السلام. كان لقائي الأول مع جعفر نميري، عقب مقتل أنور السادات. وقد جاء الزعماء ورؤساء الدول من كل العالم إلى القاهرة لأداء واجب الوداع الأخير لذلك الرجل غير العادي. وقد شاركت اسرائيل بوفد كبير في الجنازة. ضمّ الوفد كل أعضاء مجلس الوزراء المصغَّر، إلى جانب رئيس الوزراء مناحيم بيجن. وسار الموكب الجنائزي خلف التابوت الذي يضمُ جثمان أنور السادات. كان موكباً حزيناً وطويلاً، وكان أطول بالنسبة للإسرائيليين، أكثر من غيرهم. كان تشييع (أنور السادات) يوم السَّبت. ولتفادي انتهاك حُرمة يوم السبت، حسب ما تقضي الديانة اليهودية بعدم ركوب سيارة، فقد سرنا نحن الإسرائيليين مسافة ميلين أو ثلاثة من مقرّ الضيافة الذي رتَّبه لنا المصريون، إلى المكان الذي يبدأ منه موكب التشييع، حيث انضممنا هناك إلى الوفود الأخرى، لنمشي مشوار تشييع «أنور السادات» إلى مثواه الأخير. وبمجرد أن بدأ موكب التشييع، سارت وفود المعزِّين كلٌُّ بطريقته. وفي الحال اختلط أعضاء الوفود من كل دول العالم مع بعضهم البعض، ومن حين إلى حين كانت تحدث خلطات بين وفود الدول، كانت تلك الخلطات من غير الممكن أن تحدث في ظروف السياسة العادية. وألقيت نظرة إلى جانبي، لأجد نفسي إلى جنب جعفر نميري، وهو سوداني قاسي الملامح، على وجهه شلوخ قَبَليَّة عميقة، أسبغت عليه قسمات الوحشية. والآن أنا داخل الطائرة في طريقي إلى أفريقيا للقاء جعفر نميري. كنت أتساءل أىّ رجل سوف أجد وراء ذلك الوجه الوحشي القاسي؟). كيف يا ترى وجد آرييل شارون (أب عاج) أى الرئيس جعفر نميري، في ذلك اللقاء الذي رتبه يعقوب نمرودي. حيث أن مجرد لقاء الرجلين، كان يعني أن التطورات السياسية السودانية قد سارت بالمقلوب، فمن لقاء ناصر لقاء ياسر وقذافي ونميري، وأحلام الوحدة العربية، إلى لقاء شارون-نميري، في نيروبي. ما هي أسبابه وماهي أجندته؟. في مذكراته (المغوار)، قال شارون (بعد لقائي الأول في مصر بالنميري، عقب اغتيال السادات، كان لقائي الثاني ب «جعفر نميري» في نيروبي، في 13/مايو 1982م، وكان يجلس معه (يعقوب نمرودي) ورجل الأعمال العربي (X). حيث (رجل الأعمال العربي (X)) بالتنسيق مع نمرودي، قاما بترتيب اللقاء. وقد أخذتني الدهشة، عندما وجدت أن الرئيس السوداني لطيف رقيق ومؤدَّب للغاية. وبسرعة عرفت أن نميري مُلمّ ومدرك بالتطورات في منطقته. وكجزء من تباحث واسع النطاق، بشأن المشهد السياسي الأفريقي، قدَّم لي نميري وصفاً للأحوال السياسية الجارية في السودان، وفي الدول المجاورة للسودان. حيث كان النظام الماركسي في أثيوبيا يشنّ حرباً متطاولة ضد المتمردين الأريتريين، ويدين بالفضل بصورة كبيرة للإتحاد السوڤييتي. أما «تشاد» التي تقع إلى الغرب من النميري، فقد كانت كذلك مضطربة سياسياً. حيث كان الرئيس التشادي حسين هبري يخوض حرباً ضد الرئيس الليبي معمر القذافي. والذي كان أيضا مثل اثيوبيا يتمّ تسليحه من السوڤييت. كان لا يخامر ذهن النميري أدني شك، كما كان لا يخامر ذهني أدني شك، أن الجهود الليبية التي تهدف لزعزعة الحكومة التشادية لتحقيق السيطرة، هي جزء من نشاط سوڤييتي لتأكيد الهيمنة السوڤييتية في منطقة وسط أفريقيا. وذلك انطلاقاً من ليبيا إلى تشاد إلى جمهورية أفريقيا الوسطى، حيث نجح الليبيون قبل عدة أشهر في إقحام أنفسهم، إلى «الكنغو برازاڤيل» حيث ظل السوڤييت بأنفسهم يهيمنون على البلاد منذ فترة من الزمن. كان النميري متضايق جداً من اتجاه ذلك النشاط، حيث تجاور بلاده أثيوبيا وليبيا وتشاد وجمهورية افريقيا الوسطى. وقدّم لي نميري تنويراً عن جاهزية الجيش السوداني للتعامل مع المشاكل المختلفة. كان لدينا أيضاً، نحن الإثنان، أنا ونميري، مصلحة قوية في النشاط الليبي. من ضمن كلِّ الدول العربية، كانت ليبيا إحدى الدول ذات العداء المتأصِّل لإسرائيل. كان أحد الأشياء التي جمعت بيني وبين نميري، في المقام الأول، العداء المشترك بيننا ضد القذافي. وكانت هناك قضية أخرى في أجندة إجتماعي ب «جعفر نميري»). يشار إلى أن في مايو 1982م كان لقاء شارون الثاني ب (جعفر نميري). وفي يونيو 1982م، غزا «شارون» لبنان، واحتلَّ الجيش الإسرائيلي العاصمة اللبنانية بيروت. (المغوار) شارون في مذكراته، عن اجتماعه الثاني بجعفر نميري في نيروبي - كينيا في 13 مايو 1982م، يستطرد قائلاً (كانت هناك قضية أخرى في أجندة إجتماعنا أنا ونميري، وهي عبارة عن مقترح جاء به مضيفنا «رجل الأعمال العربي». كان «رجل الأعمال العربي «X»» على صلة ب«الأمير رضا» إبن شاه ايران، والذي كان حينها يعيش في المنفي في المغرب. كان الأمير الشاب، الأمير رضا بالتعاون مع عدد من جنرالات الجيش الإيراني الذين يعيشون في المنفي، قد وضع خطة كاملة ل«تحرير إيران» من «الثورة الإسلامية». كانت مجموعة الأمير رضا تعمل في مراحلها الأولية، لجمع قوات إيرانية تلعب دور رأس الرمح، في إحداث ثورة داخل إيران ضد آية الله الخميني. كانت الخطة الأساسية تهدف إلى تدريب تلك القوات في السودان، الذي يبعد بصورة كافية عن إيران، بُعداً يجعله لا يخشى من توفير قواعد «عسكرية» لمثل ذلك النشاط السّرّي العدائي. دعا مقترح «رجل الأعمال العربي «X»» إلى توفير تمويل «دولة عربية» ل «قوات التحرير الإيرانية». كما دعا المقترح إلى تسليح تلك القوات بسلاح اسرائيلي. بعد الإستماع إلى العرض الذي قدّمه «رجل الأعمال العربي «X»» وإلى توضيحات لبعض الأسئلة التي أثارها تصوّر مقترح «رجل الأعمال العربي «X»» ، قررنا أن نلتقي في الإسكندرية في شهر يوليو القادم للتباحث مرة أخرى في الموضوع. لكن ذلك الإجتماع الذي كان من المقرّر أن يُعقد في الاسكندرية، لم يتمّ أبداً، حيث أصبحت إسرائيل متورِّطة تورُّطاً عميقاً في لبنان. يوم 13/مايو1982م، في ذلك اللقاء، الذي عقدته في فترة بعد الظهر، مع جعفر نميري في نيروبي، تباحثت معه في موضوع آخر يهمّ السودان وإسرائيل بدرجة وثيقة. غداً نرى ما كان يهمُّ إسرائىل في السّودان بدرجة وثيقة، حسب ما كتب رئىس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون في مذكراته.