تعتبر العلاقات السودانية السعودية متجذِّرة منذ الأزل حيث لم تشُبها توترات على مر الحقب والأنظمة، وازدادت تطوُّراً في الفترة الأخيرة بعد تفهم (قيادتا البلدان) وحرصهما على الوصول بها إلى آفاق أرحب تتماشى وطموح وأشواق الشعبين الشقيقين، فالسودانيون هناك لا يقل عددهم عن «600» ألف حسب آخر إحصاءات المختصين، وهم يتمتّعون بتسهيلات كثيرة لا تقل عن تلك التي يتمتّع بها السعوديون عند دخولهم للسودان لأغراض الاستثمار أو السياحة، ولهذا اكتسبت هذه العلاقة قوة ومتانة، خاصة في مجال التبادل التجاري والاقتصادي الذي يعتبر نموذجًا للعلاقات الراسخة والمتطوِّرة والمستمدة من تبادل المنافع والمصالح المشتركة خصوصاً في قطاعي الزراعة والثروة الحيوانية، حيث فاق حجم التبادل التجاري بين الدولتين ال (900) مليون دولار، وتحتل الاستثمارات السعودية المرتبة الأولى في قائمة الاستثمارات العربية في السودان، وحسب آخر الإحصاءات فإن هذه الاستثمارات تقدر ب (314) مشروعاً قيمتها (4.3) مليار دولار، منها (212) مشروعاً خدمياً، و(107) مشروعات في القطاع الصناعي، و(22) مشروعاً زراعياً. أعرب مهتمون بالشأن السوداني السعودي عن توقعاتهم بأن تشهد الاستثمارات الزراعية السعودية في السودان قفزة كبيرة وشراكة حقيقية في ظل أزمة الغذاء العالمي وارتفاع أسعار المواد الغذائية وأزمة المياه التي تعاني منها المملكة.. يُذكر أن التبادل التجاري بين البلدين شهد تطوُّرًا إيجابيًا خلال السنوات الأخيرة، وكانت الخطوة الأولى في هذه العلاقة عندما تم توقيع أول اتفاقية تجارية بين البلدين في عام (1965) واستمرت في النمو إلى أن تم توقيع الاتفاقية الاقتصادية في عام (1985)، التي اشتملت على إعفاء جمركي لعدد من المنتجات الزراعية والحيوانية ومنتجات الثروات الطبيعية والمنتجات الصناعية، مع التأكيد على أهمية التبادل التجاري لتلك المنتجات ذات المنشأ الوطني لكلا البلدين، وضرورة تنسيق الشؤون الجمركية ودعم التعاون الجمركي بينهما. لقد تم إنشاء «مجلس الأعمال السعودي السوداني» في عام «2002م» لدفع وتعزيز العلاقات الاقتصادية وزيادة حجم الأعمال بين البلدين، وحتى يصل التطوُّر إلى القمة تم تكوين لجنة وزارية مشتركة تُعقد بصفة دورية للقضايا في المجالات الاقتصادية والاستثمارية والتجارية.. كما تعتبر السعودية «أكبر سوق للصادرات السودانية» من المواشي واللحوم. كل المؤشرات توضح أن حجم التجارة بين البلدين سيشهد زيادة كبيرة خلال الفترة المقبلة، هذه الحقيقة أكَّدها «رئيس اتحاد عام أصحاب العمل السوداني» سعود مأمون البرير، في لقاءات صحفية سابقة، مبيناً وجود استثمارات سعودية بقيمة (8) مليارات دولار في السودان، معظمها في البنية التحتية والمشروعات الحكومية.. في غضون ذلك انطلق نشاط برنامج الصادرات السعودية في عام (2002م) واستفادت مؤسسات القطاعين العام والخاص السودانيين من التسهيلات الائتمانية التي يقدِّمها البرنامج، حيث بلغت قيمة اعتمادات الصندوق لتمويل تصدير سلع وخدمات وطنية إلى السودان ما يقارب (1300) مليون ريال سعودي. كما أن عددًا من المستثمرين السعوديين يساهمون في الاستثمارات البترولية السودانية، ويعملون كذلك في الخدمات اللوجستية والبنية التحتية النفطية السودانية. كما أن هناك تعاونًا بين البلدين في التنقيب عن الذهب والفضة والنحاس والمعادن المهمة في حوض البحر الأحمر، وقد تم انعقاد عدد من الجولات الوزارية ما بين وزارة البترول والثروة المعدنية في السعودية ووزارة الطاقة في السودان حول التنقيب، ولم تتأثر العلاقة التجارية السعودية السودانية بعد انفصال السودان، باعتبار أن معظم السلع الزراعية والحيوانية المصدرة إلى السعودية من شمال السودان، كما أن الاستثمارات أتاحت فرصًا ووظائف عمل كبيرة، وزادت من الناتج المحلي الإجمالي، كما ساهمت في تأمين الغذاء للسودان والسعودية، فاتَّجه بعضهم إلى الاستثمار السياحي في السودان، حيث إن السودان يمتلك مساحات شاسعة وموارده طبيعية متنوعة مثل الغابات، والأنهار، والشواطئ، والصحاري.