التلاحم الكبير بين الشعب الإريتري والبشير الذي حدث إبان زيارة رئيس الجمهورية مؤخرًا إلى أسمرا للمشاركة في عيد استقلالها الحادي والعشرين لم يسبق أن حدث مع رئيس زار إريتريا من قبل، وربما هو أمر لم يحدث من قبل ربما إلا عند زيارة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر إلى الخرطوم عقب النكسة وهي دلالة على عمق العلاقات بين البلدين السودان وإريتريا، وما يؤكد متانة علاقات البلدين ما حدث عقب صدور قرار الجنائية في حق رأس الدولة في الرابع من مارس 2009 فبعد عشرين يومًا فقط من صدور القرار كسر الرئيس البشير قرار المحكمة الدولية وتحدى الجنائية بزيارة تاريخية لإريتريا جعلت الأنظار تتجه إلى أسمرا ومن ثم الخرطوم حتى إن وسائل الإعلام حرصت على نقلها مباشرة من مطار الخرطوم.. كانت زيارة تأكيدية لما يربط البلدين ودليلاً على مصداقية مواقف أسمرا تجاه السودان، وأثبتت وقوفها في خندق واحد مع السودان، سيما وأن الرئيسين «البشير وأفورقي» اتفقا خلالها على تكوين جبهة عريضة لمجابهة «قرارات المحكمة الجنائية الدولية والمنظمات المشبوهة». غير متناسين أن للرئيس أفورقي موقفًا واضحًا تجاه الجنائية إذ أكد رفض حكومة بلاده لقراراتها باعتبارها سياسية وتسعى لتعقيد مشكلة دارفور وزعزعة استقرار السودان وقال أفورقي في تلك الزيارة مقولة ظلت راسخة في الأذهان: «إن مشكلاتنا في القارة الإفريقية تُفرض علينا من الخارج».. وكانت الزيارة مفتاحًا لزيارة أخرى في نهاية ذات الشهر للرئيس البشير إلى العاصمة القطرية الدوحة شارك فيها في القمة العربية التي انعقدت هناك. إذن السودان ينظر ببُعد إستراتيجي وسياسي لعلاقته مع إريتريا والتي حاولت جهات عديدة تعكير صفوها من خلال إثارة قلاقل بشرق السودان وإشاعة وجود مشكلات على الحدود بين البلدين وهو الأمر الذي سبق أن نفاه في وقت سابق ل «الإنتباهة» والي كسلا محمد يوسف آدم الذي يولي علاقات ولايته مع نظيرتها الإريترية اهتمامًا خاصًا وهو الآن قد شارك في احتفالات إريتريا بوفد رفيع من ولايته قاده بنفسه وقد ظل وثيق الصلة بالرئيس أفورقي وزاره عدة مرات وتلعب كسلا دورًا حيويًا في تواثق العلاقة مع إريتريا وكانت قد احتضنت زيارة تاريخية في الأسبوع الأخير من أكتوبر من العام الماضي للزعماء البشير وأفورقي وامير قطر الشيخ حمد بن خليفة شهدوا ثلاثتهم احتفالات الولاية بافتتاح الطريق القاري بين السودان وإريتريا بتمويل من دولة قطر بتكلفة «9» ملايين دولار في إطار دعم الدوحة لمشروعات تنمية شرق السودان وهو مدخل لعلاقات وثيقة مع إريتريا التي سبق لخصوم الخرطوم محاولة اختراق شرق السودان عبر بوابة أسمرا أيام تكتل المعارضة ومعها الحركة الشعبية في مواجهة الحكومة. إن علاقات الخرطوم وأسمرا تتطلب من الطرفين المحافظة عليها خاصة أن محاولات التربص بتلك العلاقة القوية تبدو بائنة حتى من جهة دولة صديقة للسودان ولكنها تعتبر التقارب السوداني الإريتري خصمًا عليها على سبيل المثال إثيوبيا، وكذلك جنوب السودان التي من مصلحتها توتير علاقة الخرطوم مع جيرانها وفي البال أوغندا هي الأخرى تنظر لتلك العلاقة بكثير من عدم الارتياح رغم أن الرئيس أفورقي ظل على الدوام يؤكد وقفته الصلبة مع السودان خاصة أن زيارة الرئيس البشير الأخيرة سبقتها تهديدات من الولاياتالمتحدة لأية دولة تستقبل الرئيس البشير بأن تقطع عنها المعونات على الرغم من أن إريتريا تعتمد إلى حد كبير على المعونات الخارجية.. وبالمقابل هذا يتطلب من الخرطوم استثمار تلك العلاقة القوية مع إريتريا ومعلوم تاريخيًا وصول الرئيس أسياس أفورقي إلى سدة الحكم بمعاونة الخرطوم.