يعتبر شرق البلاد القلب النابض للسودان، الأمر الذي يشكل أهمية بالغة في البعد الاستراتيجي والأمني للبلاد في ظل انشغال الدول المجاورة للسودان من جهة الشرق بصراعاتها الداخلية، مما أدى إلى صرف النظر عن أمن البحر الأحمر الذي بات مخترقاً من إسرائيل، وهذا يلفت الانتباه الى العلاقات السودانية الإريترية التي شهدت تحسناً ملحوظاً في الآونة الأخيرة وبشكل كبير، رغم الترويج في الفترة السابقة لاحتضان أسمرا لمعارضة سودانية وعدم رغبة الرئيس الاريتري أسياس أفورقي في زيارة السودان، وقد كان وجوده يوم الاربعاء الفائتة في كسلا بجوار الرئيس البشير وأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة، رسالة للأصوات الضالة والمضللة التي سعت لتشويه علاقة بلاده مع الخرطوم كما قال والي كسلا محمد يوسف آدم في اللقاء الحاشد بكسلا. خاصة أن تلك العلاقة ظلت في حالة تأرجح لفترة طويلة وتحديداً منذ ديسمبر 1994م، عندما قررت أسمرا قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الخرطوم وتسليم السفارة الأخيرة للمعارضة بزعم دعم الخرطوم لخصومها، ثم وصل التعاون قمته بعد رعاية أفورقي لاتفاق سلام الشرق في عام 2006م. وفي الآونة الاخيرة بعد الحديث هنا وهناك عن تأرجح في ميزان علاقات البلدين، برزت قطر ذات المساحة البالغة «11 ألف كلم ونصف الألف بقليل» فقط، لتتمدد في ملايين الكيلومترات في أنحاء العالم بفعل ثقل ماكينتها الدبلوماسية التي تعمل بطاقة جبارة وبتنسيق تام مع كافة الأطراف، من واقع المبادرات التي طرحتها في السنوات الأخيرة في عهد أميرها الشيخ حمد بن خليفة والملفات التي أمسكت بتفاصيلها التي منها ما يتعلق بالقضيتين الفلسطينية والعراقية والملف النووي الإيراني، والقضية اللبنانية عندما لعبت دوراً كبيراً في الحد من تداعيات الحرب الإسرائيلية على بيروت في عام 2006م، ومشكلات القرن الافريقي، وغيرها من الأحداث التي جعلت الدوحة رقماً مهماً، ومكنتها من حجز مقعد وثير على المسرح الدولي وفي صفوفه الأمامية. وبالنسبة للحالة السودانية لم تخلُ ساحة الأخيرة من الوجود القطري الفاعل والملموس، بهدف تقريب وجهات النظر بأسلوب يتسم بالحكمة والعقلانية القائمة على أساس الاعتدال، ويأتي في مقدمة ذلك دور قطر في ملف سلام دارفور من خلال ما تحقق في وثيقة الدوحة 2011م. وكان هناك بعد إنساني بارز في سياسة قطر الخارجية من خلال دعمها لنحو «70» دولة في أنحاء العالم .. لكن التحول الجديد في نظرة قطر للسودان تطور بالانتقال إلى شرق السودان وبشكل لافت تخطى محطة جمع الأطراف سواء المتنازعة أو التي يسود بينها التوتر على مائدة الدوحة، إلى إحداث اختراق فعلي وحقيقي بتحرك خارجي كبير جاء من أمير قطر شخصياً وليس عبر بوابة دبلوماسية بلاده، بزيارته لشرق السودان وتحديداً ولاية كسلا في رحلة أقل ما توصف بأنها زيارة تحقيق المصالح لكافة الأطراف، حيث ربحت قطر بمواصلتها لنهجها القائم علي دعم فرص السلام وبحيادية. ونذكر عندما اتهمتها قيادات في العدل والمساواة بمحاباة السودان اعتذرت الحركة عما بدر من قياداتها تجاه قطر، وقد كسب السودان واريتريا جواراً أمناً بينهما قائماً على خلق فرص التعاون المشترك من تلك الزيارة بحسب والي كسلا محمد يوسف. ولعل زيارة الأمير وهي الأولى من نوعها لولاية سودانية، ذات أهمية بالغة وتتجاوز مسألة افتتاح الطريق القاري الرابط بين السودان واريتريا والممول من سموه، الى البعد الاستراتيجي والامني الذي خلقته قطر لنفسها في منطقة القرن الإفريقي، وقد شدد الشيخ حمد في كلمته بكسلا على أهمية التنسيق الإقليمي في تلك المنطقة لأهميتها، وتشكل الخرطوم وأسمرا محطتين مهمتين، وقد أعاد أمير قطر التذكير بأن «إريتريا ظلت مُنذُ آلاف السّنين مَعبَرَ العرب إلى إفريقيا والسودان وسبيلَ الأفارقة والسودانيين إلى بلاد العرب، وكانت دارَ أَمنهم وإقامتهم في أحيان كثيرة». ومعلوم الوجود الإسرائيلي في المنطقة، ولذلك تلجأ قطر لتأمين المعابر خاصة أن السلاح لم يعد في المسرح العسكري فحسب، وإنما في ملاعب الدبلوماسية وتقديم الدعم. وقد أعرب الشيخ حمد عن يقينه بأن «الطريقَ القاري قد مُهّدَ له في القلوب قبلَ أن يُمَهَّد له في الدروب». أمير قطر يلعب الآن في ملعب مهم للغاية في المنطقة، وتتوجه اليه أنظار الجميع على الاقل للربط بين الخرطوم واسمرا في المقام الاول، فعندما جاءت حكومة الإنقاذ الاسلامية إلى الحكم وعلى الرغم من اختلاف اتجاهاتها مع الثورة الاشتراكية التي كان يقودها أفورقي إلا أنها تعاونت معها في مواجهة إثيوبيا وساندتها، ومكنت قوات أسياس من دخول أسمرا في سبتمبر 1991م، واعترفت الخرطوم رسميا بالدولة الإريترية عام 1993م، وأشار البشير في كلمته مخاطباً مواطني ولاية كسلا إلى أنهم يعرفون أفورقي الذي كان بينهم.. وأهمية علاقة الخرطوم بأسمرا وفي هذا التوقيت اقتصادية بحتة، وخير من يرسم تفاصيلها دولة قطر الغنية التي جعلت ولاية كسلا على كل لسان بزيارة أميرها لها.