كنت أتوقع ان تسبق عملية التحضير او «الطبخ» لمؤتمر اقتصاديات الهجرة القادم بالخرطوم ترتيبات اخرى تتسق مع مبدأ المشاركة في الهموم او المصالح المشتركة بين جهاز المغتربين ورعاياه بالخارج، وهنا نعني بالتحديد ان يكون للمغتربين الحق الكافي في توجيه بوصلة المؤتمر وتحديد مساراته ومحصلته بما يتفق او يطمح فيه هؤلاء «القابضون» على جمر الهجرة الحالمون بمستقبل اخضر رغم هجير الغربة.. واظن وبعض الظن اثم ان المغتربين لديهم شعور قوي بان جهاز المغتربين او الدولة عمومًا لم تفلح حتى الآن او تحاول اخراجهم من الدائرة «الرمادية» وهي الدائرة التي لم تتضح فيها بعد رؤية الدولة او استراتيجيتها او خططها المرحلية تجاه قوى بشرية ومادية لا يستهان بها لها فعلها وتأثيرها في شكل وطبيعة الحراك الاجتماعي والاقتصادي داخل السودان او خارجه.. فهؤلاء السودانيون في حاجة الى ان تقترب اليهم الدولة بشكل اكثر لا ان تتعامل معهم بمنطق «البقرة الحلوب» يريدونها ان تكون مدرارة للبن دون ان تعلف «وبين يدي الجهاز سانحة كبيرة ربما تحقق له قدرًا كبيرًا مما يرجوه من فعاليات هذا المؤتمر ان كانت رؤيته لا تبتعد كثيرًا عن اشواق المغتربين فالمنطق اذن يحتم على الجهاز اعادة ترتيب اوراقه واجندته وتوسيع قاعدة المشاركين من المهاجرين خاصة ان الأمين العام الدكتور التهامي يتحدث بشيء من التفاؤل والثقة عن نمط جديد وغير تقليدي لإدارة شأن هذا المؤتمر.. ولكن كثيرًا من المغتربين يخشون ان يخرج المؤتمر بمثل ما خرجت به تجارب اخرى سابقة. لا بد ان يعمل المؤتمر على تقريب المسافات ما بين السودانيين العاملين بالخارج ودولتهم. والحقيقة التي يجب اقرارها والتأكيد عليها انه كلما تزايدت اعداد المهاجرين تنامى الإحساس بان هناك ظروفًا قاسية تدفع السودانيين دفعًا الى المهاجر وتبدد كل رغبات الذين يحلمون بالعودة الى حضن السودان وقتها لن تجدي المؤتمرات او المهرجانات الموسمية في مد الجسور بين المهاجرين ووطنهم ورغم كل ذلك فإن الدولة من حقها استنهاض همم المغتربين او تلاحقهم وتستنفرهم وتحشدهم الى جانبها في معركتها الاقتصادية في مرحلة ما بعد الانفصال ولكن يجب الا تكون هذه النفرة حملاً ثقيلاً على هؤلاء المغتربين او تدخلهم في حسابات الربح والخسارة لسنوات الغربة والآن قد اقتربت المسافة بين المغتربين ومؤتمرهم واكمل الجهاز عدته وترتيبه او هكذا يجب ان يكون الحال فالمغتربون يبدو وكأنهم يبحثون الآن بالحاح شديد عن تلك الميزة التفضيلية او النمط الجديد الذي يعقد في اطاره مؤتمر اقتصاديات الهجرة هذا ما لمسناه من خلال ردود الفعل التي وصلتنا عبر «الايميل» والاتصالات حول ما نشرناه في اعدادنا السابقة تحت عنوان «الهجرة .. رهانات اقتصادية». اما الدولة فلسان حالها يقول انها اعدت متكأً فسيحًا للمغتربين وجهزت كل «مواعين الحليب».. ايها المغتربون القضية اكثر تعقيدًا قضية وطن يواجه مخاض الانفصال والانعتاق.. بلادنا الآن تحاول الخروج بأقصر الطرق وافضل الحلول وتسعى كذلك للتعاطي مع اقتصاد ما بعد الحرب واثناء الحرب والاقتصاد لمستقبل الحرب هذه هي الحقيقة التي تدخل بها الدولة مؤتمرها القادم.