ظلت القضارف مطمورة السودان وسلة الغذاء، وتعتبر داعمًا رئيسًا للاقتصاد الوطني والركيزة الإستراتيجية للأمن الغذائي كما أنها بتركيبتها السكانية التي تشكل كل مكونات النسيج القبلي السوداني أخذت بعدًا قوميًا أهّلها لتكون من الولايات ذات الخصوصية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وقد مرت الولاية بظروف بالغة التعقيد منذ نشأتها في منتصف التسعينيات حيث إنها لم تشهد استقراراً سياسياً لكل من أدار شأنها العام وذلك نتيجة التباين الكبير في المشهد السياسي للحزب الحاكم أو القوى السياسية الأخرى وظلت في حالة حراك دائم ما تكاد العواصف السياسية تهدأ حتى تهب رياحها من اتجاه آخر. وقد سُلطت الأضواء الإعلامية والرأي العام القومي للولاية في الفترة الأخيرة قبل استقالة الوالي السابق كرم الله وتابع الجميع المشهد السياسي وتداعياته على مجمل الأوضاع بالولاية. ويبدو أن المؤتمر الوطني قد حسم أمره بخوض انتخابات ترشيح الوالي بناء على ما نص عليه الدستور بأن تقوم الانتخابات بعد ستين يوماً من خلو المنصب.. ويمكن قيام عملية الانتخابات إذا ما توفرت الظروف الزمانية والمكانية لمفوضية الانتخابات حتى تخرج بمنتهى الشفافية. لكن تبقى هناك العديد من التساؤلات عن امكانية قيام الانتخابات في هذا التوقيت والخريف على الأبواب ثم هل الأحزاب بما فيها المؤتمر الوطني على جاهزية لخوضها من الناحية التنظيمية والتعبوية للقواعد الجماهيرية وهل الجماهير في القضارف على استعداد للذهاب لصناديق الاقتراع في تلك الفترة أو بلغة الربيع العربي هل الشعب يريد واليًا جديدًا؟ أم أن هناك رغبة في ان تواصل الحكومة المكلفة الى حين قيام الانتخابات القومية بعد انتهاء الفترة الانتقالية لاسيما وان هناك شبه اجماع للوالي الحالي والذي قد تم ترشيحه سابقاً عبر مجلس شورى المؤتمر الوطني ليكون والياً على القضارف فهو من الرعيل الأول للمجاهدين وصاحب سجل متميز في العمل الطوعي وله بُعد شعبي في الولاية التي عمل في معظم محلياتها في كافة مجالات العمل التنفيذي والسياسي والجهادي كما أنه قد استطاع ان يشكل حكومة عريضة ورشيقة من كل ألوان الطيف السياسي. ثم إن كثيرًا من المعطيات تشير الى انه من الصعوبة قيام الانتخابات في الموعد المضروب لها وذلك نتيجة لانعدام البنية التحتية للطريق للوصول لكل اطراف الولاية في فصل الخريف والذي اشارت تنبؤات الأرصاد أنه سيكون خريفًا مبشرًا بأمطار غزيرة لذلك من غير المحتمل وصول الطواقم الفنية للمفوضية العليا للانتخابات وبعثات المراقبة وحركة المرشحين اذا ما تمت في هذا الظرف ولم يتمكن المواطن بالإدلاء بصوته ربما يقدح ذلك في العملية الانتخابية برمتها. إضافة الى ان الحكومة الحالية قد شرعت في التحفيز للموسم الزراعي والذي وضعت له الخطط والدراسات لإنجاحه لزيادة الصادر لدعم الدخل القومي وإحياء مشروع النهضة بالزراعة بعد ان اتجهت الدولة للنهوض بالزراعة كبديل للنفط الذي كان يشكل العمود الفقري للاقتصاد الوطني قبل خروجه من الموازنة العامة. لهذا فإن قيام الانتخابات ربما يشل حركة الحكومة وأجهزتها التنفيذية في متابعة نجاح الموسم الزراعي. اما فيما يختص بالوضع السياسي للوطني في القضارف فهل من المصلحة الولوج لانتخابات تزيد من الشرخ الحاصل في جسد الحزب نتيجة للتكتلات وعمليات الاستقطاب والموازنات التي اعترت البناء التنظيمي ام ان المصلحة تقتضي الإبقاء على الوضع الراهن خاصة وأنه قد حدث انفراج سياسي وعادت قيادات الى دار الوطني بعد غياب اختياري ظلت بعيدة عن اروقة الحزب والدولة ولا يكاد يوجد صوت نشاز الآن في الساحة السياسية، واذا ما أخذنا تجربة ولايات دارفور بعد تقسيمها وتعيين ولاة جدد نجد أن الوضع الامني والسياسي شهد استقراراً ولم يطالب احد في الداخل او الخارج بقيام انتخابات للولاة في الولاياتالجديدة فعلى صناع القرار الاستفادة من تلك التجربة. لكل ذلك يبقى تعطيل الدستور وتجميد الانتخابات لترشيح الوالي في القضارف أمر تفرضه متطلبات الواقع الزماني وتداعيات المشهد السياسي. وان كان من رسالة عاجلة فهي إلى السيد رئيس الجمهورية الذي ظل يولي القضارف عناية خاصة نقول له إنك قد أحسنت الاختيار في تقديم المجاهد الضوء محمد الماحي واليًا للقضارف لأنه أهل بمجاهداته وجهده فهو عندما جاء لمحلية القريشة في جنوبالقضارف معتمداً وجدها تفتقر لكل مقومات الحياة الحضارية لتشهد في عهده نقلة كبيرة وتنمية واضحة حيث تم ربطها بالطريق القاري القضارف القلابات وبناء الوحدات التعليمية والصحية وغيرها من مظاهر العمران واذا ما وجد الدعم اللازم نتوقع ان تكون القضارف من مدن السودان التي يشار اليها.