قضايا الصحافة في السودان متعددة وطويلة ومتداخلة وأحياناً تصيب الإنسان بحالة من الملل واليأس لأننا منذ أن بدأنا في ممارسة هذه المهنة لم نجد من القوانين ما يسند ظهرنا بالصورة التي تمكِّن الصحفيين وتريحهم في أداء مهمتهم بالصورة التي ترسم للصحافة في السودان مستقبلاً زاهراً وإنما كانت الحرية دائمًا من فضل الحكومة على الصحفيين تمنحها في الحيز الذي تريده.. أحياناً تقبض وأحياناً تبسط في المساحة التي تريدها أيضاً.. فالصحفيون من جميع تياراتهم في الوسط واليمين واليسار ظلوا متفرجين على ما يحدث ولذلك لا أجد مبررًا واحدًا يجعل اتحاد الصحفيين والمجتمع الصحفي يسرخ في وجه النيابات الولائية المتخصصة في الشأن الصحفي كما أعلنت وزارة العدل.. فهذه واحدة من سلسلة طويلة جداً من العراقيل التي يتعرض لها الصحفيون يومياً على الرغم من أن ما يؤديه الصحفيون حتى في ظل هذه الظروف المستفيد الأول منه الحكومة لأن الصحافة كسلطة رقابية تقوم بدورها كاملاً لكن المؤسف أن كل القضايا التي طرحتها الصحافة في الآونة الأخيرة مع ارتفاع سقف الحريات وبالتحديد قضايا الفساد لم تجد حظها من المعالجة التي تجعل الصحافة تعتز بدورها والمواطن يحترم مؤسساته سواء أكانت رسمية أم صحفية، وإنما كان حديث الصحافة دائمًا حديثًا يذهب مع الرياح وحظ كل الملفات التي تطرحها الصحف النسيان أو الطناش.. فليسأل الصحفيون أنفسهم أين كل المبادرات الجادة والموضوعية لتطوير الواقع الصحفي سواء أكان ذلك متعلقاً بأجور الصحفيين أو تدريبهم أو تمكينهم من الوصول للمعلومات.. أين المساعي لبناء مؤسسات صحفية عملاقة تصدر العديد من الطبعات والإصدارات الأخرى بجانب الصحيفة اليومية السياسية؟ لماذا يتراجع مستوى الصحافة باستمرار مع ازدياد عدد الصحف؟ لماذا لا يوجد في السودان حتى هذه اللحظة صحيفة تتجاوز طبعتها ال«150.000» نسخة بالمقارنة بعدد سكان السودان؟ لماذا كل المبادرات التي يطرحها المسؤولون حتى الوزراء الذين تعاقبوا على وزارة الإعلام وجهودهم في إصلاح المجتمع الصحفي وتطوير المهنة وقانون الصحافة دائماً لا تبلغ مداها.. فالصحافة اليوم مهددة بعدم توفر الورق وبالارتفاع الجنوني في مدخلات الطباعة.. ومن واجب الحكومة التفكير مع المجتمع الصحفي في إعانته من أجل شراكة تحقق النهضة الحضارية المطلوبة لهذا الشعب فالصحافة هي عين الشعب فليس من المعقول أن تكون قرارات الحكومة دائمًا عكسية، فالنيابات الولائية ما هي إلا انتصار للمسؤولين الولائيين الذين يزعجهم صوت الصحافة وتشتيت في نفس الوقت لجهود المسؤولين عن الصحف وخاصة رؤساء التحرير بترحالهم المستمر ما بين الخرطوم والعواصم الولائية الأخرى لمتابعة القضايا الصحفية وهي بالمناسبة قضايا تأخذ وقتاً طويلاً في المحاكم، وغالباً ما تنتصر فيها المؤسسة الصحفية على الشاكي لأن الصحفيين مهما كانت المداخل التي يتناولون منها القضايا أكثر وعياً بالقانون الذي يحتكمون إليه.. نتطلع أن تعيد الدولة النظر في الواقع الصحفي برمته، وأنا واحدة من الذين يقفون بشدة مع دمج المؤسسات الصحفية حتى لا ندفن رؤوسنا في الرمال، فهناك مؤسسات لا تفيد الواقع الصحفي ولا المجتمع السوداني في شيء، ليس تشكيكاً في قدرات القائمين بأمرها إنما هنالك إحتياجات أخرى كثيرة لبناء مؤسسات صحفية قادرة على الربح والخسارة وفي نفس الوقت أداء رسالتها الصحفية بحياد.