من طرائف الدبلوماسية ومقالبها ما يُحكى عن أن هناك نظرية اسمها «المثانة المليانة» وتتمثل في أنك لو كنت مديراً أو مسؤولاً دبلوماسياً وتتوقع أن يأتيك شخص مفاوض أو أشخاص للحوار حول أمر هام وحساس يمكنك أن تمارس معهم لعبة «المثانة المليانة» على النحو التالي:- أولاً:- تقوم بوضع الشخص أو الأشخاص المفاوضين في قاعة الاستقبال لمدة طويلة طويلة جداً... وتحرص أن يكون الاستقبال مزوداً بعدد كبير جداً من مكيفات الهواء «الأسبيليت» والتي تجعل درجة الحرارة أقل من عشرين درجة مئوية. ثانياً:- يقوم العاملون بعرض أنواع من المياه الباردة والمشروبات المدرّة للبول مثل القهوة والنعناع والقرفة بتكرار ممل والأفضل من كل ذلك تقديم أنواع مختلفة من مشروب الشعير «بدون كحول طبعاً»... ثالثاً:- أن تترك الضيف أو الضيوف ينتظرون مدة طويلة لا تقل عن ساعتين أو ثلاث ساعات وإذا استطعت أن تطلق أنواعاً من البخور والروائح المدرة للبول يكون ذلك مفيداً جداً... وهناك أصوات مدرة للبول يمكن إطلاقها عبر أجهزة تسجيل مثلاً خرير المياه وسقوطها في شكل نقط متصلة. رابعاً:- على الجهاز العامل مع المسؤول في المكتب التأكد من أن الضيف أو الضيوف لم يخرجوا من غرفة الاستقبال الباردة ليستعملوا أي تواليت في الخارج ومنعهم من الخروج بحجة الحفاظ على النواحي الأمنية والانضباط و«الديسيبلين» وأن يتم شغلهم كل ربع ساعة بأن المسؤول خلاص جاييهم... ويكون من الأفضل تشغيل جهاز فيديو يظهر الحمامات بشكل متكرر... وبعد مرور ساعتين يكون الضيف قد «انزنق» زنقة العدو وشعر بالحاجة إلى التبول الإرادي واللاإرادي... وعند ذلك يمكن إدخاله للتحدث مع المسؤول وهو «مزنوق» و «محروق» ومثانته مليئة بالمياه وبعضهم قد يظهر وهو يتلوى ويحرك رجليه وأوراكه ذات اليمين وذات اليسار في إشارة منه إلى «الزنقة الشديدة».... وبالطبع لن تستغرق المحادثات زمناً طويلاً حيث إن الرجل أو الرجال سوف يحاولون الاختصار بأسرع وقت ممكن استعداداً للخروج وسيكون مزاجهم غير منفتح لتناول مواضيع متشعبة وسيكونون غير راغبين في المغالطات والأخذ والرد... وفي هذه الحالة «حالة المثانة المليانة» يمكن للطرف الآخر أن يجعل المحاورين يقتنعون ويقبلون بالمقترحات التي يطرحها ودون تردد... وقد ذكرنا هذه الطرفة بمناسبة أنه في هذا اليوم سوف تبدأ المحادثات بين الوفد السوداني الذي لم يتغير ووفد حكومة السودان الجنوبي... ونتمنى أن يكون مفاوضونا من الحصافة والقوة بحيث أن لا يكونوا واقعين تحت تأثير نظرية المثانة المليانة... وبهذه المناسبة نأمل أن يكون مفاوضونا حذرين في الفنادق من أن يدس لهم الجنوبيون مادة أو شيئاً مما يجعل المثانة مليانة... وليبتعدوا بقدر الإمكان عن مواقع وجود الجنوبيين ومن يلونهم من المؤيدين... وعلى كل حال لو كنت عضواً في مجموعة الوفد السوداني المفاوض كنت سأعمل عزومة كبيرة جداً وأقوم بإعداد ما لذ وطاب من الشحوم واللحوم والشطط... وسوف أوصي كبير الطباخين بتجهيز أكبر قدر من الشطة الإثيوبية الحارة و«أب غازيه» وأعزم الوفد الجنوبي وبالطبع سيقوم باقان وعرمان بإكمال الباقي بحيث سوف يطفحون «الزغني» الحبشي الحار ويشربون شطة «الدليخ» النار ويتجرعون عليه مخلوط «أب غازيه» ويتمون الناقصة براهم بالخمور الحبشية من بار الفندق وعندما يصبح الصباح يحضرون الاجتماع سكرانين لط ونبدأ اليوم الأول بنقاش القضايا الأمنية وملفات الحرب والسلام... ولكن أخشى أن يقوم الجنوبيون بالعكس ويستعملون مع وفدنا نظرية «المثانة المليانة» وتبدأ المفاوضات بالحريات الأربع وإذا كان ناسنا مزنوقين تنتهي مفاوضات اليوم الأول بالموافقة على حق التملك والجنسية والمواطنة والعمل مع بقاء الحرب مدورة على رؤوسنا...