ربما يختلف اثنان حول ما اذا كان د. الترابي ضحية لخديعة كان يمارسها مالك عقار بمكر ودهاء شديدين، وهو يقدم الدعوة لزعيم الشعبي لزيارة مدينة الكرمك عقب عطلة عيد الفطر المبارك، لإجراء محادثات معه حول قضيتي جنوب كردفان والنيل الازرق، وذلك بهدف التمويه وهو يستعد لهذه الخطوة، لكن الذي لا مراء فيه أن عقار كان يخطط لما حدث منذ فترة ليست بالقصيرة، ولعل معطيات كثيرة كانت تعزز حدوث هذه الخطوة غير المفاجئة، غير أنه لا أحد يجزم علي وجه الدقة ما إذا كان الترابي يعلم مسبقاً بتفاصيل المخطط أم لا، ولكن الذي تردد وتناولته أخبار الصحف قبل عيد الفطر بيوم واحد فقط يشير الى ان سلسلة اتصالات جرت بين الترابي وعقار خلال الفترة الماضية لتنسيق المواقف والاتفاق على رؤية للفترة المقبلة، وكشفت معلومات وقتها عن دعوة وجهها عقار إلى الترابي لزيارة الكرمك، وأكدت أن الطرفين سيعقدان اجتماعات تتناول الوضع الراهن في السودان، اضافة لدعوة الحركة لتكوين جبهة عريضة من القوى السياسية لادارة المرحلة المقبلة. الترابي وتمرد الفونج وروى وزير الشؤون الاجتماعية والثقافية فى النيل الأزرق القيادي في الحركة عباس حاج حمد في حديث صحفي قصة «تمرد» الفونج، حيث قال وقتها: «في عام 1984 تمرد مالك عقار ومعه 23 من الولاية، فكان هذا يعني لنا موقفاً شاذاً لأنه ذهب إلى الحركة في جنوب السودان، ونحن بدورنا كنا معارضين للفكرة باعتبار ان هذه حركة جنوبية، وبعد خروج الحركة من الكرمك وقيسان حصل ضغط كبير جداً من الحكومة على منطقة النيل الأزرق. وفي عام 1992م بدأت الحكومة سياسة جهوية إلى ان ساءت العلاقات الاجتماعية بين القبائل، لأن الحكومة كانت السبب الرئيسي لهذه الانقسامات، مما أدى إلى مواجهة القبائل لمواقف بعضها البعض، ثم بعد ذلك أوضح لنا النظام بأنه يريد أن يضمنا كشباب الى حكمه ولن تكون هناك مشكلة». ويواصل: «وفي ذلك العام كونا وفدا بقيادة المك يوسف حسن عدلان والعمدة عبيد الشوتال ومجموعة من أبناء النيل الأزرق للذهاب لمفاوضة الحكومة، إلا ان الزيارة للخرطوم لم تؤت ثمارها». واضاف: «ورجع الوفد بدون اية حلول وذلك عندما قال د. الترابي للعمدة شوتال اذا أردتم تنفيذ سياستنا فأهلاً بكم، واذا لم تريدوا فتمردوا أو أذهبوا، فاخترنا العمل المسلح وخرجنا وانضممنا للتحالف بقيادة عبد العزيز خالد، واختلفنا معه وانضممنا في عام 1995م للحركة، وبدأنا العمل في عام 1996 بمنطقة بابوسي ثم الكرمك، قيسان والكيلي98 إلى ان توصلت لاتفاق سلام». الإمعان في التمويه: وإلى جانب دعوة الترابي لزيارة الكرمك وإمعاناً في التمويه وقبيل إعلان تمرده ب «24» ساعة، اصدر والى النيل الازرق مالك عقار قراراً بتعيين مسؤولين واعفاء آخرين فى حكومته، ويضاف الى ذلك واثناء الأحداث الجارية فى جنوب كردفان وما أسفرت عنه من تمرد لمجموعة عبد العزيز الحلو، بدا عقار أكثر تعقلاً وتوازناً كونه حاول التدخل لمعالجة الأزمة، ورفض مبدأ التمرد، وتعهد بعدم إطلاق طلقة واحدة فى ولايته، وفي هذا الأثناء تسابق رموز القوى السياسية في مدحه والثناء عليه حتى أن نائب الرئيس علي عثمان عبر عن ثقته في عقار، وزار المهدي النيل الازرق والتقى بعقار وتعانق معه عناقا حاراً اتفقا بعده على التنسيق. ولكن كثير من المعطيات كانت تؤكد بقوة أن مالكاً ليس بهذه الوداعة، ذلك أن الكل يذكر في العام الماضي ابتداعه العبارة الحربية «النجمة أو الهجمة». ثم يبقى القول إن أسلوب استخدام القوى السياسية واستغلالها سياسياً وتوظيفها بواسطة المتمردين، لم يبتدعه عقار وحده، بل سبقه إليه قرنق عبر مراحل مختلفة، وحقق من خلاله نجاحات واضحة.