التدخل الأمريكي في سير المفاوضات الجارية الآن بين الخرطوموجوبا بعد استئنافها في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، ليس الغرض منه، مساعدة الطرفين على تجاوز العقبات وتحقيق اتفاق سلام عادل بين البلدين يُنهي حالة الخلاف والعداء والحرب بينهما، إنما الغرض الرئيس من وجود المبعوث الخاص للبيت الأبيض بيرنتسون ليمان في أروقة المفاوضات ولقاءاته مع وفدي الطرفين، هو ممارسة الضغط على الخرطوم حتى تذعن لما هو موضوع على الطاولة من رؤية أمريكية مساندة لدولة الجنوب وتلبية لمطالب جوبا التي تريد تحقيق أكبر قدر من المكاسب مثل الحريات الأربع وتمرير النفط بأقل رسوم ممكنة دون أن تقدِّم حكومة دولة الجنوب أي تنازلات من طرفها... والواضح أن الولاياتالمتحدة وحليفاتها الغربيات، ليس لديهم من همّ سوى الحفاظ على دولة الجنوب وضمان وجودها وحل كل قضاياها على حساب السودان ورعايتها كبيدق من بيادقهم على رقعة شطرنج المنطقة... ولا يبدو أن التقدم الطفيف كما تقول الأنباء في التفاوض الجاري الآن في أديس أبابا، يمكن أن يحقق اختراقاً كبيرًا يُفضي لشيء متوقع، فهناك هدف مطلوب لذاته، هو جرجرة الخرطوم لمزيد من التعقيدات بشأن التفاوض والضغط عليها وعدم حسم القضايا التي تصر عليها خاصة الملف الأمني، وكما هو واضح فإن وفد جوبا يحاول بالتعاون مع المبعوث الأمريكي وجهات أخرى موجودة في العاصمة الإثيوبية لمتابعة المفاوضات، وضع مزيد من العراقيل أمام عربة التفاوض وكسب الوقت بغرض إحراج الحكومة في الخرطوم في حال لم يقدِّم وفدها تنازلات جوهرية كما حدث في المرات السابقة بالإشارة لاتفاق الحريات الأربع الذي نحرته الإرادة الشعبية الرافضة له في ضحى الخرطوم ونهاراتها. وحتى لا نسرف في التوقعات بفشل المفاوضات الحالية في الوصول لنقطة مشتركة فإن اجتماعات اللجنة السياسية الأمنية التي تحدَّد لها يوم غدٍ الإثنين لمناقشة الملف الأمني، فإن مؤشرات واضحة تؤكد أن دولة الجنوب لا ترغب وغير عازمة على فك ارتباطها بما يسمّى الحركة الشعبية قطاع الشمال وحركات دارفور، وأن ادعاءها بطردها خارج أراضيها هو بمثابة تحريك لها لمواصلة حربها بعد تجهيز قواتها وتسليحها.. والعيب في هذه الجولة من التفاوض، أنها غارقة بالفعل في متاهة إجرائية لا معنى لها أصلاً، فالقضايا واضحة لا تحتاج لهذا النوع من المطاولات، والمسودات التوفيقية التي تقدَّم بين الفينة والأخرى واللقاءات والاجتماعات الجانبية وإثارة قضايا حُسمت من قبل وكان ينبغي العمل على تنفيذها مثل ترسيم الحدود المتفق عليها أو نقاط المراقبة على طول حدود البلدين.. وهناك منهج اتّسمت به طريقة التفاوض وإدارته بإثارة قضايا مبعثرة وملفات عديدة في وقت واحد لإرباك المفاوضين ودفعهم للاستعجال ومحاولة إنهاء أي ملف كيفما اتفق، بينما يكون الغرض الرئيس منها هو الحصول على اتفاقيات هشة تذهب بمجملها لصالح دولة الجنوب دون أن نكسب منها الكثير.. وما يجري اليوم من تناثر لقضايا التفاوض، مع وجود ضغط عبر التصريحات اليومية لدولة الجنوب حول قصف جوي أو اعتداءات عليها وترويج أكاذيب يومية وعلى مدار الساعة، هو سياسة ترويض للوفد الحكومي وتليين للمواقف، ويجب أن تتجنّب الحكومة ردود الأفعال وتتخذ مواقفها الحازمة والحاسمة وعدم ترك وفدها نهباً للضغوط التي تمارَس عليه داخل القاعات المغلقة أو عبر أثير الفضاء الإعلامي الكثيف مما يضطر الوفد للرد على تصريحات تثير الغبار للتشويش على ما يجري على طاولة التفاوض.. ولا يبدو أن هناك تقدمًا في سير التفاوض مع جوبا، هناك جهات تحاول عرض نفسها على لوحة كبيرة موضوعة في أديس باسم المفاوضات، بينما التدخل الأمريكي يحاول كسب الجولة لصالح مدللتهم الإفريقية الجديدة دولة الجنوب..