د. عبد اللطيف البوني يكتب: لا هذا ولا ذاك    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    وزير التربية والتعليم بالشمالية يقدم التهنئة للطالبة اسراء اول الشهادة السودانية بمنطقة تنقاسي    السجن لمتعاون مشترك في عدد من قروبات المليشيا المتمردة منها الإعلام الحربي ويأجوج ومأجوج    الدعم السريع يعلن السيطرة على النهود    المرِّيخ يَخسر (سُوء تَغذية).. الهِلال يَخسر (تَواطؤاً)!!    سقطت مدينة النهود .. استباحتها مليشيات وعصابات التمرد    الهلال يواجه اسنيم في لقاء مؤجل    تكوين روابط محبي ومشجعي هلال كوستي بالخارج    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السودانان "يستجديان" مهلة من مجلس الأمن
نشر في سودان سفاري يوم 02 - 08 - 2012

تنتهي اليوم الخميس الثاني من أغسطس/آب، مهلة مجلس الأمن، وسط تفاؤل السودان وجنوب السودان بتمديدها، استناداً إلى تطور إيجابي في التفاوض الجاري في مدينة أديس أبابا، وهو تفاؤل مغموس في جدلية التفاوض نفسه، بعيداً عما يرشح في وسائل الإعلام، فالأولى تشير إلى أن لا مهلة مجلس الأمن ولا شهور طويلة مقبلة ستفضي إلى اتفاق يصادف هوي المجتمع الدولي ويؤطر إلى علاقة طبيعية بين الدولتين، والثانية تشير إلى التعثر والتعليق كأبرز سمات حلقات التفاوض .
المراهنة على مرونة أعضاء مجلس الأمن، خرجت من أفواه أعضاء وفدي الخرطوم وجوبا أكثر من مرة، ومع أنها مشروطة بتقدم في عملية التفاوض، إلا أن الطرفين انغمسا في الحديث عن المهلة نفسها بعيداً من دوافعها، تنفيذ قرار مجلس الأمن الرقم 2046 وفي تواز بدا غريباً، انتكست الحالة الأمنية في دارفور، ونشطت حركات مسلحة في الفترة الأخيرة، ونشطت عمليات عسكرية بين الولايات الحدودية لدولتي السودان، مع اقتراب نهاية مهلة مجلس الأمن، وخرجت أبيي المنطقة المتنازع عليها، والتي يستهدفها قرار مجلس الأمن في أكثر بنوده، سافرة، بتفاصيلها الكثيرة، وتناقضاتها، وتقاطعات قرارات أهلها وحكومتيهما، وشهد الأسبوع الماضي ما اعتبره المراقبون اختراقاً مفاجئاً وهو قبول حكومة السودان الجلوس إلى قادة الحركة الشعبية قطاع الشمال، المهيمنين على المشهد السياسي لولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق اللتين تقبع أبيي بين مشحاناتهما ومشاكساتهما .
المهلة التي تنتهي اليوم، ظلت تفقد بريقها يوماً وراء الآخر كلما اقترب البلدان من موعدها، ففي الأول كانت طوق نجاة لكثيرين وفي الوقت نفسه شكلت حبلاً يلف على رقبة آخرين، وتداعت أمور كثيرة وحوداث متفرقة منذ إعلانها، لكن التعاطي الرسمي المعلن معها وحولها ظل يخرج بنفس هادئ بعيداً عن سخونة التصريحات المتقاطعة والاتهمات المتبادلة بين قيادات الدولتين . وفيما تبدو الخرطوم أكثر تفاؤلاً بتمديد المهلة، يلمح المراقبون غبطة وسروراً في وجوه قيادات الجنوب التي كشفت تقارير متفرقة أن الوصول إلى موعد المهلة نفسه، هدف في حد ذاته لتلك القيادات .
أما حسابات الربح والخسارة لكل طرف فتتفاوت، المعلن منها والسري، والشواهد كثيرة، حيث إن الأيام مضت في مماحكات وتلكؤ وانفضاض ثم انعقاد لجولات التفاوض التي انتقلت من أديس أبابا إلى مدينة بحر دار الإثيوبية أيضاً، كأن الملل أصابها، من دون إحراز أي تقدم يذكر، وقد سعت الدولتان إلى كسب تعاطف مجلس الأمن لتمديد المهلة، وجاء لقاء الرئيسين عمر البشير وسلفاكير ميارديت، كأنه تطييب خواطر أعضاء المجلس الذي لم يسجل اية مؤشرات تدل على احترام الطرفين لمهلته .
تراجع التفاؤل
ومع الزخم والآمال العريضة التي صاحبت وأعقبت اللقاء الرئاسي للدولتين، فإن التفاؤل سرعان ما تراجع، وحلت الاتهامات المتبادلة محله، بل إن تطورات عسكرية ميدانية شهدتها حدود الدولتين، كأنما أوعز بها اللقاء وليس العكس، طبقاً لمراقبين رأوا في أن اللقاء الذي أعلن أنه أحدث اختراقاً كبيراً، وصحبه توجيهات واضحة وصارمة من البشير وكير لأعضاء وفديهما بإحراز تقدم، إلا أن ذلك لم يحدث، وانتكست المفاوضات، حين اتهمت جوبا الخرطوم بأنها تقصف بلدات داخل أراضيها، وبررت الخرطوم بأنها تدافع عن نفسها وأراضيها في مواجهة حركات دارفورية مسلحة، مدفوعة من الجنوب .
الخرطوم التي يبدو أن المهلة تهددها أكثر من جوبا، سعت فوراً للقاء مندوب فرنسا في الأمم المتحدة، باعتبار رئاستها لدورة مجلس الأمن في أغسطس/آب، وقدمت شروحات لما أفضت إليه جولة التفاوض، وأكد وزير الخارجية السوداني علي كرتي لمندوب فرنسا الدائم في الأمم المتحدة السفير جيرارد أرو، ما يفيد بالتزام السودان تحقيق تقدم تعرقله دولة الجنوب، وطرح كرتي أمام كبار المسؤولين في الأمم المتحدة الوثائق القانونية التي تعتمد عليها الحكومة في بناء مواقفها . ومع الإعلان بتفهم الأمانة العامة للأمم المتحدة لمواقف السودان وشرعيتها، إلا أن فرنسا أعربت عن قلقها إزاء تدهور الوضع الأمني مؤخراً في دارفور، وأشارت إلى ضرورة التوصل (بصورة عاجلة الى اتفاق شامل) بين السودان وجنوب السودان .
ولوحظ خلال الفترة التي سبقت موعد انتهاء مهلة مجلس الأمن، التدهور الأمني الذي أصاب دارفور، بعد فترة طويلة من استباب الأمن نسبياً، وباعتراف المجتمع الدولي ممثلاً في بعثته “إليوناميد"، ما دفع مراقبين إلى التلميح بأن الأمر مقصود في ذاته، خاصة أن قرار مجلس الأمن يدخل دارفور في بعض بنوده كانفلات أمني جانبي لما يحدث بين السودان وجنوب السودان .فقد نشطت حركات التمرد في دارفور، وهاجمت مواقع عدة، كما عزلت بعض المدن الرئيسة بقطع الطرق، ما أدى إلى خنقها اقتصادياً وشحت المحروقات وارتفعت أسعار السلع . ونقل تقرير عن مسؤول كبير في السلطة الإقليمية في دارفور أن حركات التمرد نشطت أخيراً وباتت تتحرك في مساحات واسعة . ويرجّح أنها تلقت دعماً عسكرياً كبيراً من جهات أجنبية بعد رصد مئات السيارات المسلحة ودخول أنواع جديدة من الأسلحة .
ويشير إلى أن الطرق الرئيسة بين مدن الإقليم، مغلقة منذ نحو شهرين بسبب تراجع الأوضاع الأمنية، وأن الأمن خارج المدن في تراجع مستمر، وأن تصاعد نشاط المتمردين شلّ حركة التجارة وضاعف من معاناة المواطنين .
فقدان الثقة
ويبدو واضحاً أن السودان لا يركن إلى التقرير الذي سيقدمه المبعوث المشترك “ثامبو أمبيكي" لمجلس الأمن، وفق ما نص عليه القرار(2046) حول مسار المفاوضات، وتكشف تحركات ديبلوماسية قام بها السودان خلال الأسبوع الماضي، أن الخرطوم لم تعد تملأ يدها من الرئيس الجنوب إفريقي السابق، قائد الوساطة الإفريقية، رغم اتهامات سابقة من دولة الجنوب بأن الرجل ينحاز إلى السودان . وسبقت الخرطوم انقضاء المهلة اليوم، بمشاورات في نيويورك مع سفراء الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، ولقاء وزير خارجيتها بالمبعوث الأمريكي للسودان برينستون ليمان، والحديث الودي والصريح، مع السفير الأمريكي، وهو وصف أطلقه الأخير نفسه على صراحة الوزير السوداني في تناوله لمعظم قضايا العلاقات مع واشنطن .
كل ذلك، والمفاوضات المستهدفة بقرار المجلس لم تحرز تقدماً يذكر، ولم تتجاوز عقبة القضايا الأمنية والعسكرية، لتنتقل إلى قضايا النفط، على الرغم مما رشح خلال الأسبوع الماضي من اقتراب الطرفين من اتفاق على رسوم نقل النفط، والمقترحات التي تقدم بها الجنوب، لحل شامل للقضايا، إلا أن الخرطوم رفضتها، ووصفتها بتكرار سيناريو قديم لفصول التفاوض، لم يفعل الوفد الجنوبي سوى تجميعها في باب واحد .
لكن الجديد، هو إدخال قطاع الشمال وهو الاسم الذي يطلق على حزب الحركة الشعبية في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، في حلبة التفاوض، كأحدث اختراق قبيل انقضاء مهلة مجلس الأمن، حيث وافقت الخرطوم في تطور لافت ومفاجئ، على الجلوس مع قيادات القطاع والتفاوض معها “إيماناً بأن الحوار هو الحل الأمثل" لكل الخلافات معهم .
والتفاوض بين الحكومة وقطاع الشمال المعارض، يأتي حسب مراقبين، كمحاولة لإحياء اتفاق (نافع - عقار)، الأول مساعد الرئيس السوداني نافع على نافع، والثاني القيادي في الحركة الشعبية وحاكم ولاية النيل الأزرق سابقاً مالك عقار، الذي تم إجهاضه العام الماضي، بقرار من المكتب القيادي لحزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان إلا أن مجلس الأمن نفخ الروح في القرار (2046) وجعله مرجعية مهمة لإسكات صوت السلاح في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق . ومع التقدم الضئيل الذي أحرز في أديس أبابا، يظل لقاء الرئيسين وموافقة الخرطوم على التفاوض مع قطاع الشمال، فضلاً عن تنازل الخرطوم عن شروط مسبقة وتمسك شديد بمواقف مناهضة لقطاع الشمال، “عربوناً" لمجلس الأمن قبيل انتهاء مهلته، لتمديدها أو على الأقل، إصدار قرار جديد، لا يختلف عن التمديد .
بيد أن مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة للسودان هايلي منقريوس، أعلن بشكل قاطع ان مجلس الأمن الدولي لن يمنح مهلة اضافية، ما لم ير اتفاقيات على الأقل في الملف الأمني بين السودان وجنوب السودان، وبدت “ما الشرطية" ككوة أمل يتطلع إليها الطرفان، على الرغم من وصولهما لطريق مسدود، دفع الآلية رفيعة المستوى التابعة للاتحاد الإفريقي، إلى الطلب من الطرفين البقاء في مقر المفاوضات حتى تتمكن من إيجاد مخرج .
المساعدات الإنسانية
وتأتي الأوضاع الإنسانية، كمرجح أساس لميل أعضاء مجلس الأمن لناحية تمديد المهلة، فاحتواء هذه الأوضاع، يبعد مخاوف طرفي النزاع، في تدخل سريع وعاجل لقوات دولية، وإن كانت الجنوب ترحب بذلك، لكنه يظل سيفاً بتاراً لكل محاولات التباطؤ التي قد يتعاطف معها المجتمع الدولي، بعيداً عن الاوضاع الإنسانية، وهو ما دفع الطرفين للموافقة على المبادرة الثلاثية المطروحة من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية، لتقديم المساعدات الإنسانية، وتأتي كخطوة عملية، تتجاوز إبراز حسن النوايا إلى فعل السيطرة على الوضع الإنساني .
وكانت الحكومة السودانية ترفض دخول العون الإنساني إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات الحركة الشعبية قطاع الشمال، وتقول إن الطعام سوف يقع أيضاً في أيدي التمرد . إلا أنها قبلت المبادرة التي يتم بموجبها أن تقوم الأمم المتحدة بتوزيع الطعام للمدنيين في هذه المناطق بينما يقوم مراقبون من الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي بمتابعة التوزيع . وكما هو معروف فإن قرار مجلس الأمن 2046 يلزم السماح بدخول المساعدات الإنسانية للمحتاجين كما يطلب من الحكومة السودانية والحركة الشعبية قطاع الشمال الدخول في محادثات للتوصل إلى حل سلمي يقود إلى نهاية النزاع .
وبدت الخرطوم، بفعل قبولها الجلوس إلى قطاع الشمال، أكثر جدية لإنهاء النزاع مع الجنوب، فقد واجهت موجة غاضبة من منسوبي الحزب الحاكم لموافقتها تلك، بل إن صحيفة مناهضة لأي اتفاق مع الجنوب، عدت أكثر من خمسين مسجداً شن ائمتها خلال خطبة الجمعة الماضية، هجوماً كاسحاً على الحكومة لقبولها الجلوس مع قيادات قطاع الشمال، ووصفوا الخطوة بأنها ذلّ وهوان، بل إنهم أفتوا بعدم جواز التفاوض مع قطاع الشمال، “لأن قادته خونة ومأجورون وعملاء ومنافقون"، بل هدد الأئمة الحكومة بأن الشعب صبر عليها طوال السنوات الماضية، رغم غلاء الأسعار، لكنه لن يصبر عليها، طالما أرادت أن تتفاوض مع أعداء الله .
وتعدّ الحملة المناهضة للتفاوض مع قطاع الشمال، أن وفد الحكومة غير مفوض بتقديم أية تنازلات تنال من قيمه ودينه . وطالبت بإيقاف التفاوض مع قطاع الشمال وتغيير الوفد الحكومي المفاوض . ووصفت محاولات الحكومة “لإرضاء أمريكا ستكون هباءً منثوراً وصفراً كبيراً، ولن تفلح مفاوضات وتنازلات الحكومة في إرضائها وكسب ودّها" . كما وصفت تفاوض الحكومة بأنه اعتراف واضح وصريح بحزب أجنبي وتابع لدولة الجنوب، ينفذ أجندتها ويأخذ تعليماته من رئيسها سلفاكير وأمريكا و"إسرائيل"، وتخلص الحملة إلى أنه “آن أوان الجهاد، وعلى الدولة أن تجهّز الجيوش، وعلى وزير الدفاع ترك المفاوضات والعودة وتحرير كاودا، وعلى أصحاب العصابات الحمراء"، في إشارة إلى مجاهدين يطلق عليهم الدبابين . تفقد أسلحتهم استعداداً لجهاد الحركة الشعبية التي تريد هدم البلاد وتسليمها لأمريكا . ويواجه قادة قطاع الشمال، مالك عقار وياسر عرمان، حقداً قديماً وكرهاً كبيراً، من منسوبي الحزب الحاكم، على الأقل في وسائل الإعلام التي تشكل الرأي العام الرسمي، والتي تؤكد أن الاتفاق مع قطاع الشمال لن يحقق ذرة من سلام، بل إنه يزيد من أزماته، وتعقيداته السياسية والعسكرية والأمنية والإثنية .
جدل على الاستفتاء
وتبقى أبيي، المنطقة المتنازع عليها بين الطرفين حتى قبل أن يصبحا دولتين، عقبة أمام تحقيق أي اتفاق، ويقول أحد المراقبين “أبيي تحول دون تفاهم الدولتين رغم صدور قرار محكمة التحكيم الدائم في لاهاي، وحسمها نظرياً للنزاع، إلا أن قضية استفتاء مواطني أبيي تثير جدلاً، وتهدد بنسف أي تفاهم أو تقارب بين الشمال والجنوب، وفشل اتفاق أديس أبابا الذي تم التوصل إليه العام الماضي في تقريب المسافة بين الدولتين . فالاتفاق الذي أسس لوجود قوة مراقبة دولية من الجيش الأثيوبي حقق على الأرض أمناً واستقراراً، لكنه فشل في إعادة اللاجئين والنازحين، وتلكأت حكومة الجنوب في تكوين الإدارة المحلية بعد تعيين جوبا ل “د . لوكا أربيونق"، وتعيين الخرطوم ل"الخير الفهيم"، رئيسين (مشتركين) في قيادة منطقة واحدة، يقودها(رئيسان)، كلاهما يتأبط مشروعاً مختلفاً عن الآخر، وقد استحال التعايش بين مشروعي المؤتمر الوطني والحركة الشعبية في كنف الدولة الواحدة، فكيف لهما العيش في أرض حدودية متنازع عليها؟" .
ومع قضية أبيي، لا تزال المناطق المتنازع عليها في الميل (14)، وكافي كنجي، كاكا التجارية، والمقينص تمثل عقبات إضافية تواجه أي اتفاق يتم التوصل إليه بين السودان وجنوب السودان .
ولا تبدو الآن فرص تحقيق السلام والتسوية ظاهرة في الأفق القريب، نظراً لتعقيدات الحدود والقضايا الأمنية وأبيي، إضافة إلى المفاوضات مع قطاع الشمال في الحركة الشعبية، ما يجعل خيار تمديد المفاوضات من قبل مجلس الأمن راجحاً، ومدة (60) يوماً تبدو مهلة كافية، غير أن المراقبين يحذرون من أن الطرفين لحظة شعورهما بخفة حدة الضغوط سيلجآن إلى التسويف وافتعال القضايا الخلافية على طاولة التفاوض أو على الأرض .
ومع كل ذلك، يبدو أن مفعول مهلة مجلس الأمن حقق نجاحاً، فالخرطوم التي تخندقت لزمن طويل وراء شرط الاتفاق الأمني، تراجعت عنه وذهبت إلى بحث الاتفاق النفطي، وعرضت نقل نفط دولة جنوب السودان إلى التصدير الى الخارج ب32 دولاراً بدلاً من 36 دولاراً، وهو طبقاً لمراقبين، يترك الباب مفتوحاً لتقديم مزيد من التنازل للوصول إلى اتفاق مع جوبا، ويتوقع أن يحدث اختراق كبير في الجولة الحالية قبل انتهاء المهلة التي حددها مجلس الأمن الدولي في الثاني من أغسطس/آب الحالي .
كما تبدو محاولات حفظ ماء الوجه أمام الرأي العام الحزبي في السودان، مستساغة، حين يقول وفد الخرطوم إنه ركز على أهمية المسألة الأمنية وضرورة التوصل إلى حل جذري باعتباره متلازماً مع نقل النفط، ويشرح بأن ما عرضناه في مقترحاتنا، لأنه لابد من توقيع اتفاق متكامل يحمي استثمارات وعمليات النفط، ويمكن أن نصل إلى اتفاق شامل، معتبراً أن حالة اللا حرب واللا سلم لابد من أن تتحول الى حالة سلمية قبل بدء تنفيذ أي اتفاق .
كما تبدو التأكيدات المستمرة من الطرفين بأنهما استطاعا، التوصل للعديد من التفاهمات في مختلف المحاور الخاصة بملف النفط، خاصة مسألة الديون السابقة من الجانبين، إضافة إلى المتأخرات، إلى جانب ديون الترحيل السابقة والتي كانت من المسائل المعقدة،
كل تلك التصريحات تستهدف مجلس الأمن في مهلته المنتهية اليوم، وتلمح إلى تطور ملحوظ، حين يقول المتحدث باسم وفد جنوب السودان عاطف كير “إن وفد بلاده لم يفقد الأمل حتى الآن ويعمل على الوصول إلى تسوية شاملة لحل النزاع مع السودان في أو قبل الثاني من أغسطس/آب"، ويجدد التزام حكومته بكل قرارات المؤسسة الدولية .
وحين يقول المتحدث الرسمي باسم وفد السودان مطرف صديق، “أن الجانبين توصلا لاتفاقات في نحو 80% من المسائل الأمنية العالقة بين البلدين، وأن المتبقي منها يمكن للطرفين تجاوزه إذا حسنت النوايا السياسية" .
المصدر : دار الخليج
2/8/2012


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.