(طبيعي) أن تحدد مصالح الأحزاب مشاركتها في الحكومة القادمة من قِبل الجميع الممسكين منهم بزمام السلطة والمعارضين.. ولكن أيضاً (مصيري) أن يتوصل الجميع إلى توافق قومي حتى لو بعد تشكيل الحكومة.. وضغوط الأحداث وتداعياتها قد تدفع بالحاكمين في هذا الاتجاه. يبدو أن الحكومة ما تزال تأمل في إقامة علاقات تعاون وتحالف مع الجنوب كبديل للمعارضة يرفع عن كاهلها ثقل ضغوط الخارج.. ولكن مطلوب الخارج هو (عنقها) كما سنرى، ويا ترى ما الذي حمله نائب مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي دينس ماكدونالد.. وعرضه في (الغرف المغلقة) في الخرطوم؟ قدمت الحكومة تنازلات للمعارضة وصفتها ب (الكبيرة).. فهل تغيرت نظرة الحكومة للمعارضة أنها أشتات (وهن العظم منها واشتعل الرأس شيبا).. الحاكمون ما يزالون يرددون ذات الأقوال عن المعارضة.. ولو هدفوا من وراء جر بعضها إلى كراسي الحكم (زينة) فهي الطامة الكبرى.. فظاهرة الحكومات الائتلافية في الديمقراطية الثالثة أودت بنا إلى حافة الهاوية من وراء دوافعها.. ولو كان الأمر كذلك اليوم فهو (قاع الهاوية السحيق.. لا محالة).. وعلى الجانب الآخر من التل قال بعض المعارضين إنهم لن يكونوا من راكبي (سفينة غرقانة) وقصدوا بها سفينة الإنقاذ.. وعلى الحاكمين والمعارضين الكف عن (الوصف السلبي المتبادل).. وأن يعلم الإنقاذيون أنهم غارقون لا محالة لو انفردوا بالقيادة، وأن تعلم المعارضة أنها معهم من الغارقين.. ولو هدفت الحكومة من وراء جر الحزب الاتحادي لمشاركتها في الحكم.. إلى الإمعان في تمزيق وحدة المعارضة لتلافي نُذر ثورة يهدد بها الحزبان الشيوعي والمؤتمر الشعبي.. فهي مخطئة، وهل تهدف الحكومة من وراء تشتيت المعارضة إلى كسب الوقت.. وهي تنظر إلى (البعيد) إلى كسب دولة الجنوب؟ في نيفاشا تفاوضت الحكومة منفردة مع الحركة الشعبية.. آملة في أن تنتهي اتفاقية نيفاشا بوحدة السودان في وضع تنفرد فيه هي بحكم الشمال والحركة بحكم الجنوب.. وهو غرض لوح به البعض منهم والحركة تؤكد نزوعها للانفصال على لسان باقان أموم، ولكن انفصل الجنوب والمخطط (الجنوبي والخارجي) للإيقاع بالحكومة تتشابك خيوطه الآن ليصبح واقعاً بذكاء وبالضغوط ومنها زيارة الأمريكي ماكدونالد للخرطوم وشرط أمريكا والحركة الشعبية هو أن الحكومة مطلوبة منفردة كما فعلوا بها في نيفاشا. تنظر الحكومة إلى (البعيد) إلى تعاون وتحالف مع الجنوب أعلنت أنه مطلوب.. آملة أنه سيفشل تحالف (كاودا) الهادف إلى إسقاطها.. وهو منحى خطير يحدد معالمه سؤال مصيري: ما هو الثمن المطلوب؟ كانت الحكومة قد أعلنت أن لا وساطة وأن ليست هناك قضايا عالقة بين الخرطوموجوبا.. والعلاقات الآن تقوم بين دولتين، ولكن ها هو الوسيط الأفريقي أمبيكي في الخرطوم وأيضاً الأمريكي ماكدونالد.. ويكشف عن ما في جعبتها قراءة ما وراء كلمات باقان أموم.. ونستنتج منها قبول الجنوب التعاون والتحالف مع الحكومة.. كما ترغب ولكن بأي ثمن.. جاء في الأخبار أن (جمهورية جنوب السودان ستدفع باتجاه السلام مع الخرطوم والحيلولة دون الحرب بأي ثمن عبر اتباع المفاوضات للتوصل إلى تسوية للقضايا العالقة بين البلدين.. وقال كبير مفاوضي الجنوب باقان أموم: ليس لدينا سوى خطة وحيدة لا بديل عنها وهي السلام ومنع الحرب. السوداني 19/11). أقوال باقان عن السلام ودفع الحرب تظهر السودان الشمالي وكأنه يريد الحرب.. تناغماً مع سوزان رايس مندوبة أمريكا في مجلس الأمن.. إذ سبق لها أن قالت عن الأحداث الأخيرة التي وقعت على الحدود بين دولتي السودان إن على الجنوب أن لا يلتقط الطعم.. أي محاولة جر دولة السودان له للحرب.. على حد زعمها، والمهم هو تناغم أقوالها مع أقوال باقان ما يعني تناغم أقوال باقان مع محتويات حقيبة المبعوث الأمريكي ماكدونالد.. أي الثمن المطلوب من حكومة الإنقاذ دفعه (منفردة بالتفاوض كما في نيفاشا). يقول باقان: (نعتقد أن البلدين ينبغي أن يحافظا على السلام وعلى درجة جيدة من التعاون.. إن جوبا مستعدة لتقديم مليارات الدولارات للخرطوم لمساعدتها في أزمتها الاقتصادية إذا تخلت عن المطالبة بأرض جنوبية ومنها منطقة أبيي). الحزب الشيوعي والمؤتمر الشعبي يهددان بالثورة كخيار وحيد ويضعها حزب الأمة ضمن خيارات أخرى.. ومن أعظم موجبات الثورة عندهم الأزمة الاقتصادية المبشرة بالتفاقم بنقص الإنتاج الزراعي هذا العام ونقص العملات الصعبة، من هنا جاءت أقوال باقان.. أي من منطلق الظرف الاقتصادي الضاغط الواقع على الحكومة، باقان لم يتحدث عن اتفاق حول النفط وإنما عن دولارات تُبذل.. فقضية النفط تراوح مكانها مع القضايا العالقة، يقول باقان إن بلاده (ستقدم خطتها حول تقاسم عائدات النفط وحول خمس نقاط حدودية متنازع عليها وحول منطقة أبيي والمساعدات الأمنية والمالية.. إلى فريق وساطة من الاتحاد الأفريقي يتزعمه الرئيس الجنوب أفريقي السابق ثامبو أمبيكي). وعن قضية النفط (فشلت مباحثات أمبيكي مع رئيس وفد الحكومة إدريس عبدالقادر في التوصل لاتفاق حول مسألة النفط وقالت مصادر إن الاجتماع لم يتوصل إلى شيء حول المقترح الذي قدمه أمبيكي بشأن النفط لتحديد موعد التفاوض وبالتالي من المنتظر أن يتم تأجيل التفاوض حول الملف إلى وقت لاحق. الصحافة 21/11). حتى كتابة هذا المقال لم يتم الإفصاح عن ما دار بين وزير الخارجية علي أحمد كرتي والمبعوث الأمريكي ماكدونالد ولكن يمكن استنتاجه من الأجواء السائدة أي الموقف الأمريكي من السودان في مجلس الأمن وتجديد الرئيس الأمريكي للعقوبات الواقعة على السودان وهي ضغوط قُصد بها أن تضطر الحكومة لتقديم التنازلات.. جاء في ذات الصحيفة أن (الولاياتالمتحدةالأمريكية أعربت عن قلقها إزاء الأوضاع الإنسانية بولاية جنوب كردفان ودعت الطرفين: حكومة السودان وحكومة الجنوب، إلى الإسراع بحسم القضايا والموضوعات العالقة بينهما وبحث وزير الخارجية مع المبعوث الأمريكي ماكدونالد مسار العلاقات الثنائية بين السودان وأمريكا ورؤية الجانب الأمريكي لتلك العلاقات). الأوضاع الإنسانية بجنوب كردفان هي من أدوات ضغط أمريكا على السودان ومسار العلاقات بين السودان وأمريكا المذكور هنا يحدده تنفيذ خارطة الطريق الأمريكية أي الوصول باتفاقية نيفاشا إلى نهاياتها وحل القضايا العالقة بين الدولتين وتحقيق السلام في دارفور وفق الرؤية الأمريكية التي تكشف النقاب عنها دعوة واشنطن للحركات الدارفورية إلى واشنطن ما يعني إعادة التفاوض حول وثيقة الدوحة بعد عرض هذه الحركات لوجهة نظرها في واشنطن. وأيضاً عن ما دار بين المبعوث الأمريكي ووزير الخارجية (قال الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية السفير العبيد مروح إن اللقاء تطرق للقضايا التي لا تزال محل خلاف بين السودان ودولة جنوب السودان مبيناً أن الوزير أطلع المسؤول الأمريكي على رؤية الحكومة تجاه الموضوعات التي أثارها كما أطلعه على مجمل الأوضاع بالبلاد خاصة الأوضاع الإنسانية.. إلى ذلك استمع ماكدونالد لوجهة نظر المؤتمر الوطني حول إكمال الملفات المتبقية بين الشمال والجنوب ومن بينها ملفات أبيي والعلاقات الثنائية بين البلدين). عن أبيي وترسيم الحدود بين الشمال والجنوب.. وفي معمعة التنازع حول أبيي قبل إعلان الانفصال صرح باقان أموم بأنهم سيقدمون (فدية) للحكومة مقابل أبيي وفي مقال لنا في أثناء الواقعة المذكورة (معركة التفاوض حول أبيي) تساءلنا عن ما قصده باقان بالفدية.. هل هي مال؟.. وقتها دارت التساؤلات عن ما عناه باقان ب (الفدية).. وبعدها كشفت أمريكا عن أنها عرضت على الحكومة ذات عرض باقان ورفضت الحكومة العرض.. أي أن العرض جاء بالتوافق بين أمريكا والحركة الشعبية.. وقتها، وأمريكا منحازة للجنوب ولا شك في أن هذا الانحياز الأمريكي للجنوب هو في ذهن ماكدونالد وفي حقيبته وهو يجتمع بكرتي فالهدف العاجل لأمريكا والجنوب هو حل القضايا العالقة المثارة في الخبر الوارد هنا وكل الضغوط الواقعة على الحكومة في النيل الأزرق وكردفان الهدف منها دفعها لتقديم التنازلات بشأن القضايا العالقة.. إذن فباقان يتقدم بمقترح الدولارات مقابل أبيي في ظرف ضاغط جديد ويُضاف إليه الضائقة المعيشية والمهددات الاقتصادية بنقص العملات الصعبة. وبشأن أبيي وترسيم الحدود فإن انفصال الجنوب لم يكن جريرة الإنقاذ وحدها بل هو جريرة تفاعل مجمل الوقائع والأحداث التاريخية منذ العام 1955 عام اندلاع التمرد في الجنوب.. وتقرير المصير للجنوب ليس هو قناعة حكومة الإنقاذ وحدها بل كان قناعة كل القوى السياسية في السودان ولكن كانت المشكلة في إدارة مفاوضات السلام بصيغة منفردة من جانب الحكومة.. وأمريكا والحركة الشعبية أيضاً تريدان الإنقاذ منفردة في حل القضايا العالقة وعلى الحكومة أن تنتبه إلى (الفخ) الذي هي مساقة إليه فورشة واشنطن بشأن دارفور وتسوية قضية النيل الأزرق وجنوب كردفان والأخيرة حلها عند أمريكا هو في العودة لاتفاق أديس أبابا الموقع بين الحكومة وقطاع الشمال، كل هذه العناصر المدفوعة بالضغط على الحكومة، مقصود بها أن تقدم الحكومة التنازلات في مفاوضات الغرض منها ترسيم حدود يرضى به الجنوب وهندسة نظام الحكم في السودان أي الوصول للهدف النهائي من اتفاقية نيفاشا بعد انفصال الجنوب كاحتمال حصل بالفعل.. واتفاق مشاكوس الإطاري هو مرجعية اتفاق أديس أبابا بين الحكومة وقطاع الشمال والمنتهي بمنح الجنوب استقلالية عالية السقف.. ما يعني أن جنوب كردفان والنيل الأزرق ستتمتعان باستقلالية عالية كذلك وتشاركان بنسبة معتبرة من السلطة في المركز، والملاحظ أن الكثيرين أشادوا بتصريح أمريكا أنها نصحت الحركات المسلحة بأن حل قضاياهم وسيلته الحوار لا القتال.. بينما يجب ملاحظة أن أمريكا تحدثت عن وقف القتال ولم تذكر شيئاً عن التخلي عن السلاح.. وهذا هو (مربط الفرس) لا دعوة وقف القتال، أي أن المفاوضات ستجري والسلاح مُشهر أو في (الأغماد) تهديداً بإشهاره.. عودة الحكومة للتفاوض تحت الضغوط الأمريكية وتبني أمريكا لحركات دارفور في واشنطن يعني أن ينتهي التفاوض مع حملة السلاح على جميع الجبهات بالحكومة وهي محاصرة بالأطراف في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان أي محاصرة بأقاليم (شبه مستقلة) بمرجعية اتفاق مشاكوس المثبتة في اتفاق أديس أبابا بين الحكومة وقطاع الشمال.. أي أقاليم شبه مستقلة وفاعلة في سلطة المركز، وهذه هي الحكومة التي تريدها أمريكا ويريدها الجنوب من وراء التفاوض المزعوم عوضاً عن القتال.. حكومة محاصرة تدفع بعلائقها مع الجنوب وتحددها قوى متحالفة معه في الداخل ذات سلطات عالية على أقاليمها وفي المركز.. وتقف هنا لنتساءل هل هذا هو شكل (السودان الجديد) ما بعد انفصال الجنوب.. أي اتحاد كونفدرالي قطبه دولة الجنوب وحلفاؤها في داخل السودان مدعومين من أمريكا.. وهل هذه هي نوعية التعاون والتحالف الذي ترغب فيه الحكومة بأن يصبح الجنوب بديلاً للمعارضة.. فعلى الحكومة اليقظة والحذر فالمصير هو مصيرنا نحن لا مصيرها هي ولا المعارضة.. وهذا هو المهم عندنا. وأيضاً إسرائيل على الخط.. جاء في الأخبار أن (الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني يواصل هجومه العدائي على دولة السودان بعد انفصال الجنوب حيث حذر مما سماه بالهجمات التي تقع على جنوب السودان وطلب من السودان وقف العدائيات على حد قوله.. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد التقى بالرئيس الأوغندي موسيفيني ورئيس وزراء كينيا ريلي أودينجا وقال لهما إنه يجب العمل سوياً للحفاظ على أمن إسرائيل وشرق أفريقيا من القاعدة والمتطرفين الإسلاميين.. وقال أحد الدبلوماسيين الذين حضروا الاجتماع إنهم تطرقوا لوقف تهريب السلاح إلى غزة الذي يُعتبر السودان خط سير رئيس فيه للمهربين.. بحسب زعم إسرائيل. أخبار اليوم 18/11). ويدخل على الخط الطائرة الإسرائيلية العملاقة (بدون طيار) التي صنعت لتقوم بمهام استخبارية فوق السودان وإيران. هذا هو الواقع الذي يهدد الجميع بالغرق (ونحن معهم).. والحكومة والمعارضة متعادلان.. سعت المعارضة إلى التقوي بالحركة الشعبية فاستغلتها الأخيرة وصولاً إلى (بر الانفصال) ثم لفظتها.. وفي المقابل سعت الحكومة إلى التفاوض مع الحركة الشعبية وكان المخطط هو إسقاطها وهو مخطط ما يزال قائماً بمؤشر كل ما تناولناه هنا بالتحليل، وإلى الحكومة والمعارضة (ما عندكم غير بعض.. تلاقوا وشوفوا نحن ماشين لي وين).