«حتى إذا أتوا على وادي النمل قالت نملة يا أيُّها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمّنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون».النمل :18 صدق الله العظيم كيف تكلمت تلك النملة التي ذكرها الله في كتابه الكريم؟ ما هي اللغة التي تحدثت بها؟ هل هي لغة لها مفردات وقواعد ونحو وصرف ... أم أننا لا ندري؟ كل الدلائل تشير إلى أننا لا ندري، وكل الذي ندريه أن الله سبحانه وتعالى أخبرنا أن تلك النملة قد أوصلت معلومات معينة بلغة معينة لأفراد نوعها، وأن نبي الله سليمان عليه السلام سمعها وفهم لغتها فتبسم ضاحكاً من قولها، وهو يشكر الله على نعمته تلك. ولكن الذي نعلمه من قليل علم أنعم الله به علينا أن هناك وسائل كثيرة للاتصال بين أفراد مملكة النمل ومن بين تلك الوسائل ما كشف عنه الباحثون في مجال علم وظائف الأعضاء والكيمياء الحيوية. فالنملة في أصغر صورها تعكس تنظيماً بيولوجيا اجتماعياً معقداً. ومجتمعات النمل التي نراها هي وحدة متكاملة من الترابط الذي ينتظم سلوك أفرادها. والفرد في تلك المجتمعات لا يستطيع أن يعيش بمفرده أو بعيداً عن المجموعة ككل، ولهذا فإن النملة، تهلك إذا انفصلت عن مجموعتها ولهذا كان لابد من وسيلة ما تتم بها عملية نقل المعلومات بين أفراد النمل وبكل دقة... فلا مجال للخطأ والالتباس وأي خطأ والتباس تدفع النملة حياتها ثمناً له ... ولنعتبر أن هذه الوسيلة نوع من اللغة... أنها لغة كيميائية تخضع لتركيبات معينة، وكل مادة كيمائية محددة هي إحدى الجمل المفيدة في مصطلحات هذه اللغة والتي هي عبارة عن ارتفاع روائح معينة في الجو يتم التقاطها بواسطة أجهزة معينة «قرني استشعار»... مثبتة على رأس النملة، تتم ترجمتها وفك رموزها داخل الجهاز العصبي، وتتصرف النملة طبقاً للمعلومات التي تحملها تلك الروائح. ولأول مرة يكتشف العلماء مادة جديدة أشبه بالهرمونات أطلقوا عليها اسم «الفيرومونات» وهي تختلف عن الهرمونات اختلافاً وظيفياً... فالهرمونات تفرز بواسطة غدد داخل الجسم لتنظيم عمله، وذلك بخلق توازن فسيولوجي معين، بينما تفرز هذه الفيرومونات بواسطة غدد ولكنها تفرز خارج الجسم وينحصر عملها في تنشيط أو تثبيط عمل وظيفي خاص وتؤدي إلى التأثير على حيوان آخر. وعند اكتشاف هذه المواد أصبح من الممكن اكتشاف الدور الذي تلعبه في نقل المعلومات من نملة إلى نملة، ثم إلى بقية أفراد المجموعة، وقد جرت أبحاث كثيرة على هذه المركبات الكيمائية ولكن ما زالت هناك أبواب كثيرة مغلقة أمام الباحثين، وخاصة دراسة الظواهر والسلوك وتركيب الأنسجة المتعلقة بالغدد التي تفرز هذه الفيرومونات والتي ظلت كلها تشكل تحديات كبيرة للعلماء. وأول الفيرومونات التي يمكن اختبارها ما يسمى بفيرومونات التحذير. فإذاراقبت خيطاً طويلاً من النمل وهو يتسلق الجدران ثم ينزل في طريقه إلى مكان ما، فإنك تشعر أن حركة ذلك الخيط من النمل هي في مجموعها حركة واحدة تتكون من حركات أفراد النمل وهم يتحركون لبضع ملليمترات ثم يتوقفون ليقابلوا النمل الآتي من الناحية الأخرى وفي جزء من الثانية، تتم ملامسة قرون الاستشعار لبعضها البعض عند أفراد النمل، ثم يستمر الأفراد في سيرهم ويتوقفون لفترة وهكذا، فإذا أزعجت هذا الخيط النملي، فإنك تلاحظ أن اضطراباً وهرجاً قد حدث، ثم انتقل إلى بقية أفراد النمل بسرعة فائقة وهذه أول دلالة على وجود جهاز ينقل المعلومات داخل ذلك الخيط النملي. فكل فصائل النمل تملك مواد كيمائية تنطلق لتنقل إنذارًا إلى جميع أفراد المملكة. فإذا أحس أحد أفراد المجموعة وهو غالباً يكون من الشغيلة وهم مجموعة من الإناث التي ليست لها قدرة على الإنجاب لافتقارها إلى الأعضاء التناسلية وتعمل فقط لحماية المجموعة والذود عنها... وخدمة الملكة والذكور الذين يلقحون الملكات... فإذا أحس أحد هؤلاء الشغيلة بخطر ما فإنه يفرز إفرازاً كيميائياً من فمه أو فتحة الشرج.. وكل النمل الذي يقع في الدائرة التي يطلق فيها الإفراز يظهر عليه أعراض الهيجان والتحفز للقتال أو الهروب بعيداً عن مكان الخطر والذين يقعون بعيداً عن تلك الدائرة فإنهم سرعان ما يلتقطون تلك الإشارات من الذين التقطوها فأرسلوا في الجو ذلك الإنذار الكيمائي، وقد وجد إن المواد الكيميائية التي تثير هذا السلوك هي نوع من الكيتونات والهايدروكاربونات المختلطة بمواد متطائرة وهذه تنتشر في الجو في شكل غاز ينفذ بمواد متطائرة وهذه تنتشر في الجو في شكل غاز ينفذ برائحته وسط ذرات الهواء العادي. وعندما تلتقط النملة هذه الرائحة من الجو بقرني الاستشعار التي على رأسها فإنها تترجم هذا إلى نوع من التحفز والاستعداد للقتال أو الهروب وفي نفس الوقت تطلق هي أيضاً هذا المركب الكيمائي حتى تلتقط الإشارة أي نملة أخرى... بعيدة عن مصدر الإرسال الرئيسي . ويقول الإمام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه في «نهج البلاغة:»«انظروا إلى النملة في صغر جثتها، ولطافة هيئتها، لا تكاد تنال بلحظ البصر، ولا بمستدرك الفكر، كيف دبت على أرضها، وصبت على رزقها، تنقل الحبة إلى جحرها وتعدها في مستقرها، تجمع في حرها لبردها ...» نعود لنستخلص درس اليوم من نملة نعتبرها صماء بكماء عمياء «لا راحت ولا جات» بل إن بعضهم عندما تقرصة نملة يصيح:« بس أنا عايز أعرف النمل دا خلقوه ليه؟» أولاً السؤال خاطئ.. لأن النمل له خالق واحد.. وليس «خلقوه». ثانياً: الخالق جل شأنه لا يسأل عما يفعل. ثالثاً: ولكي ندرك جهلنا.. تلك النملة الصغيرة التمست العذر لسيدنا سليمان عليه السلام وجنوده... ألا تلتمس العذر لأخيك؟ على الأقل كن مثل النملة إن لم يمكنك أن تكون خيراً منها. رابعاً: أمة النمل عددها يفوق عدد البشر بأكثر من عشر مرات.. فهل وجدتم نملة واحدة عاطلة.. تبحث عن شغل؟ هل وجدتم نملة جائعة أو تبيت «القوا»؟ أو نملة تخرج في مظاهرة.. أو تعتصم احتجاجاً؟ ولذلك فأنا أبشركم بأني سأنشئ حزب «النمل» الذي لن يترك في ملته عاطلاً بلا عمل.. أو جائعاً أو مغبوناً في غيبونة مبينة. وجمعتكم مباركة. آخر الكلام: دل على وعيك البيئي.. لا تقطع شجرة ولا تقبل ولا تشتر ولا تهد هدية مصنوعة من جلد النمر أو التمساح أو الورل أو الأصلة أو سن الفيل وليكن شعارك الحياة لنا ولسوانا. ولكي تحافظ على تلك الحياة الغالية لا تتكلم في الموبايل وأنت تقود السيارة أو تعبر الشارع، وأغلقه أو اجعله صامتاً وأنت في المسجد.