يعيش المُربِّي... تلاميذ الطبري وببغاء تشرشل جاء أن تلاميذ المفسِّر محمد بن جرير الطبري صاحب تفسير (جامع البيان)، الذي يعتبر من أعظم تفاسير القرآن، قد اختلفوا مع شيخهم في آرائه، فما كان منهم إلا أن رجموا بيته بالحجارة حتى سدَّت الباب. محمد بن جرير الطبري أيضاً صاحب الكتاب الشهير تاريخ الرسل والملوك (تاريخ الطبري). وله مذهب فقهي شهير كذلك، لكنَّه اندثر. مثلما اندثر مذهب ابن حزم الظاهري. مثلما اندثر تراث الإمام الليث بن سعد. قال الإمام الشافعي (الليث أفقه من مالك إلا أن أصحابه لم ينهضوا به). كذلك الإمام محمد بن جرير الطبري لم ينهض به أصحابه بالدرجة الكافية، رغم علمه الكثير وفقهه العميق الوافر. من الآراء التي اشتهر بها ابن جرير رضي الله عنه جواز ولاية المرأة للإمامة الكبرى. أى جواز أن تصبح (رئيس جمهورية) و(خليفة مسلمين) و(أميرة مؤمنين). كما فسّر ابن جرير الآية الكريمة (مُفتَّحة لهم الأبواب) بأن الأبواب تفتح بغير جارحة، أى تفتح من تلقاء ذاتها. العالم الجليل ابن جرير في تفسيره للآية الكريمة اقترب فهمه كثيراً من فكرة الباب الآلي (الأوتوماتيك). لذلك وغيره عندما ضاقت عقول تلاميذه بفيوضات عقله الكبير، رجموا بيت شيخهم بالحجارة، حتى سدَّت أكوام الحجارة باب البيت. فأصبحت دار الشيخ العلامة مغلقة الأبواب فلا تفتحها جارحة!. نقول لتلاميذ الشيخ العلامة يعيش المربّي!. عندمايصل سوء السلوك درحة غير محتملة يقول السودانيون (يعيش المربّي). وبعيداً عن عالم التفاسير الجليل، عندما حدثت الحرب العالمية الثانية وقصفت الطائرات الألمانية مدينة لندن بما فيها القصر الملكي، اتخذ رئيس الوزراء تشرشل مقرَّاً سريِّاً في منطقة (نيسدن»)، حيث كان برفقته هناك ببغاؤه (شارلي) الذي ظل رفيقه منذ عام 1937م. يُذكر أن الببغاء الناطق في السودان طائر نادر، كان يتوفر في جنوب السودان وهاجر بسبب الحرب الأهلية إلى جنوب أفريقيا. كما هاجر الفيل الأبيض بسبب تلك الحرب إلى جمهورية الكونغو. علَّم (تشرشل) الببغاء (شارلي) الشتائم ضد النازيين والزعيم الألماني هتلر. ويبدو أن (شارلي) كان على قدر من البذاءة و(قلة الأدب). فقد كانت شتائمه الفظيعة ضد النازيين وهتلر تصدم العديد من الجنرالات وكبار القادة عندما كانوا يعقدون الإجتماعات خلال الحرب مع رئيس الوزراء تشرشل. رغم رحيل تشرشل عام 1965م، فقد ظل (شارلي) مواظباً على شتم النازيين وقد تجاوز عمره (104) عاماً، وقد تساقط ريشه الذهبي والأزرق. ظل الببغاء (شارلي) ثابتاً على المبادئ مواظباً على شتم النازيين بنفس التموجات الصوتية المميَّزة في صوت تشرشل. رحل تشرشل عن الحياة... وبقى (شارلي) ببذاءاته. مثل تلاميذ الطبري، ينبغي أن يُقال ل (شارلي)... يعيش المربِّي!. القصة الثانية من رموز الحركة الإسلامية السودانية ... المقرئ الشيخ (عوض عمر). المقرئ الشيخ (عوض عمر الإمام) أول مقرئ قرآن سجّل للإذاعة السودانية. إشتهر بقراءته الخاشعة التي تشيع الوقار والطمأنينة في قلوب المستمعين. الشيخ (عوض عمر) من أوائل قادة الحركة الإسلامية السودانية إلى جانب الشيخ القائد الراحل (علىّ طالب الله). أوفد الإمام الشهيد حسن البنا إلى السودان عام 1946م الداعية عبد الحكيم عابدين سكرتير جماعة (الإخوان المسلمين) في مصر، أوفده لنشر دعوة (الإخوان المسلمين) في السودان، وإنشاء فرع لها. جاء عبد الحكيم عابدين إلى السودان يرافقه (الأخ المسلم) جمال الدين السنهوري وهو مصري من جذور سودانية من أبناء دنقلا. وقد انتقل السنهوري بعد أعوام من حركة (الإخوان المسلمين) إلى (الطريقة البرهانية). حدثت استجابة في السودان لتبشير عبد الحكيم عابدين بدعوة (الإخوان المسلمين). كان يقود الذين استجابوا لدعوة (الإخوان المسلمين) الشيخ (علي طالب الله) والشيخ (عوض عمر الإمام). بثّ الشيخ عوض عمر الإمام دعوة الإخوان المسلمين في السودان وأم درمان بدايةً بعائلته، فانضمَّ إلى حركة (الإخوان المسلمين) شقيقه الشيخ المعلِّم (حامد عمر الإمام) وشقيقه الأستاذ ياسين عمر الإمام الذي كان شيوعياً. ثمّ كان ياسين عمر الإمام من أوائل الذين استقالوا من وظائفهم الحكومية وتفرَّغوا للعمل التنظيمي الإسلامي. كان ياسين عمر الإمام يعمل معلِّماً في وزارة التربية والتعليم. وقد عمل أستاذاً في المدرسة الأهلية الوسطي (أ) بود مدني. بعد استقالته من سلك التربية والتعليم غادر ياسين عمر الإمام إلى عطبرة متفرغاً تنظيمياً لحركة الإخوان المسلمين. بهذه المناسبة ينبغى الإشارة إلى أن الداعية عبد الحكيم عابدين الذي بتوجيه الإمام الشهيد حسن البنا بذرة بذرة (الإخوان المسلمين) في السودان، وأنشأ فرعاً لحركة الإخوان المسلمين المصرية في السودان، الشاعر عبد الحكيم عابدين الشاعر المقتدر الذي كتب القصيدة الإسلامية الشهيرة (في حماك ربَّنا في سبيل ديننا لا يروعنا الفنا فتولَّى نصرنا واهدنا إلى السَّنَن). عبد الحكيم عابدين متزوج من شقيقة الإمام الشهيد حسن البنا. ومن الكوادر الأولي لحركة الإخوان المسلمين المصرية التى نشرت دعوة (الإخوان) في السودان، كان (بيومي عليّ الأبيض). الإذاعة السودانية لم تعد تبث تلاوة الشيخ عوض عمر الخاشعة. لم تعد تبت تلاوة أول مقرئ سجَّل للاذاعة السودانية ونفذ بخشوعه إلى وجدان الملايين. القصة الثالثة كمونيَّة أوربيَّة من أقدم (الأكلات) في الإنسانية (أكلة) إسمها (كاشا) في شرق أوربا. وهي عصيدة (مديدة) سيريال تصنع من الشعير والشوفان والقمح وغيرها من الحبوب. من الأكلات القديمة في سكوتلندا أكلة (هاقيز) وتصنع من قلب الضأن (خروف) وكبده ورئته وشرائح البصل والشوفان والبهارات والملح، حيث يتمَّ وضعها في داخل (كرشة) الخروف ملفوفة ويتم طبخها. هذه (الأكلة) هي النسخة الأوربية من (الكمونية) السودانية. من الأكلات القديمة أكلة (بيوريتوس) المكسيكية التي يرجع تاريخها إلى أزمان حضارة الأزتيك (1200-1500م). تحمل بعض المطاعم السودانية اليوم أسماء (ملك الفول)، (ملك البوش)، (ملك الطعمية)، (ملك الكوارع)، (ملك الشاورما)، (ملك الكبسة) وغيرهم من الملوك. في بالمتحف البريطاني في لندن وجدت في كتاب أن من الأكلات السودانية التي ترجع إلى زمن الفراعنة، الفول المدمَّس (فول مصري) والطعمية والطحينة وسلطة الباذنجان والبامية و(الملوخية) واللقيمات. المائدة السودانية لم تزل تسير على خطى مائدة الأسلاف في حضارة الفراعنة السُّمر.