تتوجه الأنظار صباح اليوم إلى المركز العام للمؤتمر الوطني، والحزب الحاكم يلتئم شمل شوراه في دورة الانعقاد الخامسة، وإن كانت الدورة عادية فالتوقيت غير عادي لحزمة من الأسباب أهمها على الإطلاق الظروف المحيطة بالبلاد من ضائقة مالية جراء تداعيات الأزمة المالية العالمية التي ألقت بظلالها على الأوضاع فضلاً عن تغيّر الموازنة والربكة التي حدثت فيها عقب فقدان حصة مقدرة من البترول ما دفع الحكومة للسعي ولا تزال تسعى لإيجاد مخرج من تلك الأزمة دون أن تطرح حلاً يقنع المواطن ومن بعده البرلمان، إذ أن الحل الذي ألقته على الطاولة والمتمثل في رفع «الدعم» عن المحروقات لم يجد «دعمًا» حتى من بعض قيادات الوطني التي انقسمت بشأنه ما يشي بأنه حل قد «يقلب» الطاولة في وجه الحكومة!! وهي قضية ملحة تلقي عبئًا على شورى الحزب الحاكم بأن يبحث في تفاصيلها دون إغفال ردة فعل المواطن إذ أن هناك فرقًا شاسعًا بين المعارضة والمواطن وتعاطي الأخير مع مجريات الأحداث، ولعل عددًا من نواب البرلمان فطنوا لذلك عندما اعتبروا أن قرار رفع الدعم سيزيد الطين بلة، وتمسكوا برفض القرار وانحازوا إلى المواطن في حالة نادرة جلبت الاحترام إلى المجلس الوطني ما لم يطرأ جديد على موقفه تجاه القرار. المسألة الثانية التي تجابه شورى الوطني هي إسداء الرأي لقيادة الحزب بشأن هيكلة الدولة وهي مسألة لو تمت وفق رؤية وتشريح دقيقين يمكن أن يمرر المؤتمر الوطني من خلالها مسألة رفع الدعم طالما كان هناك إصرار «غريب» من جانب وزير المالية على تمرير القرار فبالإمكان أن يهضم المواطن قرار رفع الدعم حال قامت الحكومة بخصخصة حقيقية داخل أجهزتها تمثلت في تقليص الوزارات وإعداد الدستوريين وهي في حد ذاتها مسألة ستفتح أبواب التبرم داخل صفوف الحزب قد لا يجدي معها «بندول نافع»، فمعلوم أن التعيينات الوزارية خضعت للموازنات بدرجة كبيرة رغم نفي قيادات رفيعة بالحكومة لذلك، وبالتالي حال خرج بعض اللاعبين من المسرح التنفيذي فمن المحتمل ألّا يقبلوا بذلك التغيير وسيقودون حربا علنية من خلال الرفض الصريح أو حرباً سرية على المركز من خلال دعم حركات دارفور أو إثارة القلاقل في جنوب كردفان على سبيل المثال. وهيكلة الحكومة ليست بالأمر الصعب حال تجاوزت القيادة السياسية مطب الموازنات الجهوية والقبلية وقد كانت بداية تنفيذ التجربة عقب خلو منصب وزير الدولة بالإعلام بإقالة سناء حمد «مؤتمر وطني» وإدارة الوزارة بالوزير غازي الصادق «حزب أمة» ويمكن أن تنسحب هذه المسألة على بقية الوزارات فالفرصة متاحة بتقليل إن لم يكن الغاء منصب وزير الدولة في كل الوزارات عدا وزارتين أو ثلاث. بخلاف مسألتي الوضع الاقتصادي وهيكلة الحكومة المرتبطة بالملف الأول ليس هناك من شأن أكثر أهمية يمكن أن يناقشه شورى الحزب الحاكم ربما تعمل مجموعات داخل الحزب سراً لترتيب مسألة خلافة البشير المرهونة بالأوضاع الاقتصادية إلى حد كبير بجانب ترتيبات الأوضاع في عدة ولايات في مقدمتها جنوب كردفان ومدارسة مستقبل الوالي أحمد هارون والشمالية جراء المواجهة المرتقبة بين الوالي والمجلس التشريعي وذات الأمر في الجزيرة.. على كل تنعقد شورى الوطني والملفات الساخنة «على قفا من يشيل» والحزب أمام اختبار حقيقي لم يتعرض له في الوقت القريب بعد أن لامست القضايا جيب المواطن وقفزت إلى قفة الملاح وأحكمت خناقها عليها!! لكن بكل حال اعتاد الناس ولمدة طويلة على تجاوز المؤتمر الوطني لكل أزمة وعبور طائرته لكل مطب هوائي إلا أن هذه المرة تبدو الصورة فيها غير واضحة.