وزارة المالية... رفع الدعم عن المحروقات... جراحة بدون (بنج) وبدون (مرهم) في اللغة العامية (المرهم) يعني دواء للمسح. مرهم بنسلين يستخدم لعلاج الجروح. (مرهم) للمسح لتخفيف آلام الرطوبة. (مرهم) للشدّ العضلي، وغيرها. ثم أصبح هناك (مرهم GEL) في معجون الأسنان ودهانات التسريح في اللغة الفصحى توجد كلمة (مَرْهَم). قال «الليث» (المرهم هو ألْيَن ما يكون من الدواء الذي يضمّد الجراح. يقال مرهمت الجرُح). ولقد ظلت وزارة المالية في السودان لسنوات وكل عام تعلن عن ميزانيات وقرارات حافلة بالضرائب وارتفاع الأسعار الناريَّة. وبعد إعلان كلّ ميزانية وزيادة أسعارها وتصاعد ألسنة لهيبها، كانت الوزارة تحّس بالحرج من الشعب، فتتناول من صيدليتها (مرهم) الإعتذار، لتضمِّد به جراح الميزانية. كذلك بعد كل إعتذار كان البرلمان من جانبه يشيد بالإعتذار وبالميزانية وبالذين خلَّفوا الميزانية. لكن عند إعلان ميزانية هذا العام، ثمّ قرارات رفع الدعم عن المحروقات، اتضح أنها جراحة بدون (بنج) وبدون مرهم. فقد اكتشفت وزارة المالية أن صيدلية الوزارة لا يوجد بها أى (مرهم إعتذار) للشعب، فقد نّضّب معينها من (المراهم) مثلما نضب من الأفكار الجديدة النافعة، رغم أن الإقتصاد هو علم البدائل. في معاناة الشعب مع وزارة المالية، أصبح الشعب إذا قال لقد زادت أسعار الرغيف، قالت الوزارة (عوسو الكسرة)، وهى لا تعلم أن سعر أردب الذرة في القضارف وعطبرة والفاشر يزيد عن سعر أردب القمح المستورد!. وإذا قال الشعب زادت أسعار السكر قالت الوزارة (نعمل شنو يعني)!. وإذا تلوَّى الجنيه السوداني تحت (كرباج) الدولار، يستغيث ينادي أمه لنجدته، جلدته الوزارة بالسّوط ثمانين جلدة... حدّ الإفتراء!. وإذا قال الجنيه السوداني أدعموني بالإنتاج والصادر، رموه ل (يعوم)، وهو لا يدري فنّ العوم!. القصة الثانية مفكِّر الدين والثورة... (على عزَّت بيجوڤيتش) كان له صداقات سودانية عديدة. علي عزت بيجوڤيتش رئيس جمهورية البوسنة والهرسك. ولِد سنة 1925م، من أسرة مسلمة بوسنية عريقة بمدينة (كروبا)، تعلَّم في مدارس مدينة (سيراييڤو)، والتحق بجامعتها، وحصل على درجات في القانون والآداب والعلوم. عمل مستشار قانونياً لمدة (25) سنة، ثمّ اعتزل وتفرَّغ للكتابة والبحث. حُكم عليه سنة 1949م بالسجن خمس سنوات مع الأشغال الشاقة، وكانت تهمته أن له علاقة ب (منظمة الشبان المسلمين). صدر لعلي عزت بيجوڤيتش عدد من الكتب. منها كتابه (الإعلان الإسلامي)، الذي كان قد بدأ في نشره في حلقات سنة1970م، وبسبب هذا الكتاب، قُدِّم المؤلف مع أحد عشر من زملائه المثقفين الإسلاميين إلى المحاكمة، وحُكِم عليهم بالسجن أربعة عشر عاماً بتهمة العمل ضد الدولة، والدعوة إلى الجهاد المقدس لإقامة دولة إسلامية. بعد تفكك الإتحاد اليوغسلافي، أنشأ على عزت وصحبه (حزب العمل الديمقراطي) وخاض به الإنتخابات، فأصبح رئيساً لجمهورية البوسنة والهرسك اعتباراً من نوفمبر سنة 1990م. من أهم مؤلفات على عزت بيجوڤيتش كتاب: (الإسلام بين الشرق والغرب) وهو كتاب ثرىٌّ بأفكاره متميِّز بمنهجه أخّاذ باسلوبه وقوة منطقه وثقافة صاحبه العميقة الواسعة. جاء الكتاب نتيجة لدراسة متعددة الجوانب لأبرز الأفكار العالمية في تاريخ البشرية المعاصر. فمن خلال الدراسة المقارنة في المجالات الإجتماعية والقانونية والسياسية والثقافية والنفسية، يكشف المؤلف عن أعراض المشهد المأساوي المتزايد للتنصير والإلحاد في هذا العالم الذي انقسم إلى (روح) من وجهة نظر المسيحية وإلى (مادة) من ناحية الممارسة العلمية للإلحاد. وقد أثبت بيجوڤيتش في كتابه أن الفكر الإسلامي الذي يؤلِّف بين الإتجاهين الروحي والمادي في مُركَّب واحد أنه النموذج الوحيد الممكن الذي يرتفع إلى مستوى الموقف. في كتابه العميق (الإسلام بين الشرق والغرب)، كتب (بيجوڤيتش) فصلاً عن (الدين والثورة) جاء فيه (إن المجتمع الذي تسيطر عليه مشاعر التضامن والتضحية والمصير المشترك يُعتبر في «حالة دينية». هذا هو مناخ «الحرارة العاطفية العالية» الذي يظهر في حالات الطوارئ، وفي الإحتفالات الدينية عندما يجمع الناس شعور الأخوّة والصداقة. إن المجتمع العاجز عن التديُّن، هو أيضاً عاجز عن الثورة. والبلاد التي تمارس الحماس الثوري تمارس نوعاً من المشاعر الدينية الحيَّة. إن مشاعر الأخوة والتضامن والعدالة هي مشاعر دينية في صميم جوهرها، وإنما موجّهة في ثورة لتحقيق العدالة والجنَّة على هذه الأرض. «هذه فكرة المدينة الفاضلة عند الفارابي». إن كلاً من الدين والثورة يولدان في مخاض من الألم والمعاناة، ويحتضران في الرخاء والرفاهية والترف. حياة الدين والثورة تدوم بدوام النضال والجهاد، حتى إذا تحققا، يبدأ الموت يتسرَّب إليهما. ففي مرحلة التحقق في الواقع العملي ينتجان مؤسسات وأبنية، وهذه المؤسسات نفسها هي التي تقضي عليهما في نهاية الأمر. فالمؤسسات الرسمية لا هي ثورية ولا هي دينية. فإذا وجدنا خصوماً للثورة في نطاق الدين، فهم خصوم ينتمون إلى الدين الرسمي فقط، أي إلى الكنيسة ونظامها الإداري الهرمي، أو الدين المؤسَّسىّ الزائف. وعلى العكس، فإن الثورة الزائفة أي الثورة التي تحوَّلت إلي مؤسسة وإلى بيروقراطية، تجد دائماً حليفها في الدين الذي تحوّل هو أيضاً إلى مؤسسة وإلى بيروقراطية. فما إن تبدأ الثورة تكذب وتخدع نفسها حتى تمضي مع الدين المزيَّف يداً بيد). على عزت بيجوڤيتش سياسي ومفكر ونجمٌ إنساني إسلامي ظلّ يتلألأ في القرن العشرين، إلى أن غادر إلى دار البقاء. بهذه المناسبة أقدم الشكر إلى الصديق العزيز الأديب عماد البشري الذي أهداني نسخة من كتاب بيجوڤيتش (الإسلام بين الشرق والغرب).