حسناً فعل السيد رئيس الجمهورية بتأكيده أمام شورى الحزب الحاكم في جلسته الافتتاحية أمس، أنه لن يتم التوصل لأي اتفاق مع دولة الجنوب في المفاوضات ما لم تُحسم قضايا الحدود والملف الأمني، ولن يتم التوصل للترتيبات الأمنية إلا على ضوء الخريطة المتفق عليها التي توضح حدود البلدين. وتعلم الحكومة قبل غيرها أنها تواجه تآمراً كبيراً من لجنة أمبيكي نفسها، وقد كشف الرئيس عن أن الخريطة التي قُدِّمت في مجلس الأمن الإفريقي ومجلس الأمن الدولي التي رفضها السودان وكتب ملاحظاته عليها منذ نوفمبر لم تُعرض على رئيس الآلية الإفريقية رفيعة المستوى ثابو مبيكي، وتم تضليل وخداع كبير للأطراف الإقليمية والدولية بأن السودان قد قبل بهذه الخريطة!! إذا كان كل ذلك قد حدث، وتم تزوير إرادة السودان وموقفه جهاراً نهاراً، فما الذي نرجوه من لجنة أمبيكي، لماذا لا نعترض على هذه اللجنة ونرفض التعامل معها ما لم تراجع بالكامل وتعمل بحيادية ويخرج منها المتحيِّز والمظاهر لدولة الجنوب والمساند لها وينفذ الإملاءات الدولية المعادية للسودان؟ من حقنا الاعتراض على هذه الآلية الإفريقية وأسلوب عملها ومنهجها غير النزيه، فهي التي ورّطتنا في طرح هذه الخريطة مثلما ورّطنا أنفسنا بسببها في الموافقة على خريطة طريق مجلس الأمن والسلم الإفريقي التي ذهبت لمجلس الأمن الدولي، واستطاعت سوزان رايس مندوبة الولاياتالمتحدةالأمريكية في الأممالمتحدة، التلاعب بكل الأطراف والتدليس عليهم حتى صدر القرار «2046»، فلجنة مبيكي هي وراء ما نعانيه اليوم في مسألة التفاوض والعلاقة المأزومة مع دولة الجنوب، كما أن تفريطنا وعدم جدية وزارة الخارجية في مراجعة قرار مجلس السلم والأمن الإفريقي وعدم طرحه لمشاورات دقيقة وعميقة هنا في الخرطوم، لهو القدح المعلى في هذا الوضع الذي نواجهه! ومن المنطقي والطبيعي أن لا يكون حديث السيد الرئيس في هذا الجانب فقط لتنوير وتبصير مجلس شورى المؤتمر الوطني بما يجري حوله في هذه القضية، يجب أن تتبعه إجراءات أخرى، إذا كان ما كُشف حول تلاعب لجنة السيد مبيكي بما تسلمته من رأي وموقف وملاحظات من حكومة السودان... والمعروف أن مثل هذه اللجان في كل العالم التي تعيَّن لقيادة أي وساطة أو تعمل على حل نزاع، لا تود الوصول لنهاياته بسهولة، لأنه في أبسط الأحوال لا توجد لدى هذه اللجان والآليات الإقليمية والدولية ما تخسره، فالأموال والمخصصات تتدفق عليها... وكلَّما طال الزمن وتمدَّدت مدد التفاوض وتناسلت الخلافات، انتفخت الجيوب وتراكمت في الحسابات الأتعاب والنثريات، فمثلما يظهر في الحروب لوردات وتجار... فلعمليات السلام أيضاً أباطرة وقياصرة ولوردات وتجار وسماسرة... ولجنة السيد مبيكي مليئة بهذا النوع، كما كشف السيد رئيس الجمهورية عن مسألة الخريطة... الشيء المهم الآخر أنه يجب على الحكومة في مسألة الحدود ألّا تكون وحدها في التفاوض، فأهالي المناطق التي تحاول دولة الجنوب بهتاناً وزوراً وكذباً ادعاء تبعيتها لها، يستطيعون إثبات باطل جوبا وخطل ادعاءاتها، فمثلاً منطقة الحدود بين بحر الغزال في دولة الجنوب وولاية شرق دارفور في منطقة سماحة وبحر العرب، هي «16» ميلاً جنوب بحر العرب عند منطقة «كولنق» بالنسبة للمرحال الأوسط لرعاة الرزيقات، وتنتهي جنوب بحر العرب أيضاً عند منطقة «النخيل» للمرحال الشرقي، ولدى الرزيقات وثائق أعدها المستعمر الإنجليزي لحدودهم الجنوبية مع الدينكا، لا تستطيع دولة الجنوب نكرانها ولا يستطيع الدينكا المتاخمون للرزيقات في الجانب الآخر تكذيب هذه الحقيقة.. ومثل ذلك المناطق الأخرى في حفرة النحاس والمقينص وكاكا التجارية وهجليج وأبيي ودبة الفخار والمشروعات الزراعية في الدالي والمزموم وكل منطقة ادّعتها حكومة الجنوب... على الحكومة ألَّا تترك لوفدها وحده التفاوض في قضايا يعرفها أصحابها أكثر من غيرهم... ولا تزال هناك فرص لتعديل هذه الصور المقلوبة!!