أول ما يطرأ بذهنك وأنت تدلف إلى مدخل منطقة وسط البلد بجمهورية مصر العربية تشعر كأنك بإحدى المناطق السودانية الشعبية من خلال ما تقع عليه عيناك من موروثات سودانية قيمة أخذت طريقها لوسط الشعب المصري بتفاعلاته وتداخله مع الشعب السوداني العريق وأولها رائحة الوجبات الشعبية والتي تجذب الكثيرين برائحتها القوية ذات التأثير العميق على الجميع، فشدت حتى الإخوة المصريين فأقبلوا عليها خفافاً وثقالاً؛ والذي قد يُرجعه البعض إلى توافدهم للسودان من أجل العمل وتعودهم عليها.. خلال تجوالي لفت نظري التجمعات حول بعض المقاهي المنتشرة بكثرة فبادرت أحد السودانيين الجالسين بها بصورة مباغتة: نحن وين؟ فانفجر ضاحكاً وأجاب بلهجة مصرية: احنا في مصر أمّ الدنيا والسودان المصغر فيها، ثم استرسل في حديثه عن أهمية المكان للسودانيين المقيمين هناك وسعيهم للحفاظ على العادات والتقاليد السودانية الجميلة ومعرفة كل الأخبار المتعلقة بالسودانيين، وعندما أمعنت النظر أكثر وجدتُ بوسط البلد خمسة مطاعم، واسترعى انتباهي إقبال السودانيين بكثرة لتناول الوجبات الشعبية والشاي والقهوة بالطريقة السودانية.. كما التقيت الأخت وفاق أحمد والتي أتت من السودان في رحلة استشفاء ووجدتها سعيدة بوجود مثل هذه التجمعات التي تجعل الشخص يشعر كأنه في السودان، وأكدت أنها رغم مكوثها طويلاً إلا أنها لم تحس بالملل أو الاغتراب.. وطبيعة الشعب المصري فيها كثير من تقارب الخصال مع السودانيين مما خلق توافقاً وانسجاماً قلما يتوفر بدولة أخرى وكما قيل لا يعرف حقيقة شعبي شمال الوادي إلا من عايشه وتعايش معه، وهذا يدعونا لوصفهم بالحالة الخاصة من بين الجاليات العربية والأجنبية لتوافدهم المستمر لمصر لقربها جغرافياً ووجدانياً.. وبتتبعي لتجمعات السودانيين بمصر وجدت أن بعض المدن المصرية تكاد تتحول إلى مستعمرات سودانية، واللافت فيها محافظتهم على ثقافاتهم وعاداتهم وتقاليدهم، وهؤلاء أنشأوا أندية خاصة بهم بمختلف المدن المصرية للتجمع ومتابعة مستجدات الأحداث والأخبار في السودان.