لا ادعي إنني من المهتمين بالشأن الرياضي والمتابعين له بانتظام، ولا ارتقي لمصاف المشجعين الملتزمين بلون رياضي معين، ولكن بسبب الزخم الإعلامي الذي صاحب قيام مباراة مصر والجزائر الأخيرة والمؤهلة لكأس العالم2010م. استطعت أن أتابع المباراة وتداعياتها عبر الفضائيات العربية وخاصة المصرية التي حول بعضها المباراة وكأنها بين السودان ومصر علي قول المثل المصري (ترك الحمار ومسك في البردعة) وهنا يجب أن نقف قليلاً حول نوايا الإعلام المصري تجاه السودان في مرات عديدة آخرها الافتراءات التي أعقبت المباراة، ونلحظ أن كل هذا متعمد على كل الأصعدة من الجانب المصري إلى أن وصل للمجال الرياضي. وفي كل مرة تخرج علينا مصر الرسمية بادعاء حرية التعبير وان الإعلام المصري حر، وإذا كان ذلك كذلك فان الإعلام هو نبض الجماهير وبالتالي كل ما يعكسه يمثل حالة المزاج والنظرة المصرية لشعب السودان والتي تحمل الكثير من الازدراء والاحتقار. وان القشة التي نتمسك بها وهي العلاقات الأزلية ووحدة شعبي وادي النيل لا وجود لها في وجدان الشارع المصري أو إعلامه، ونحن لانطلق هذه الاتهامات جزافا وجميعنا يذكر ذلك الكاتب المصري الذي يدعو دولته لضم سواكن لحدودها وذكر أن هذه هي حدود مصر الحقيقية، ولم يكتفي هذا الاستعماري المفتري بسلب دولته منطقة حلايب السودانية . وأيضا يخرج علينا احد المراكز المصرية بنشر فيلم مفبرك عن الاغتصاب في دارفور تحت سمع وبصرالدولة المصرية التي تسيطر علي كل شئ فيها، سواء بالقانون أو بغيره ويقولون (حرية). إذن فلماذا يسجن المئات من حركة الإخوان المسلمين وتصادر أموالهم وممتلكاتهم دون محاكمات قانونية؟!! وهذا شأن لا يعنينا ولكن لا تزايدوا علينا بالحريات.. ونذكر أيضا بعد صدور قرار المحكمة الجنائية بحق الرئيس البشير لم تخفي بعض الأقلام المصرية شماتتها بالسودان وكأنها تنعي للأرض بلد اسمه السودان. رغم ذلك يقف السودان بشهامة تجاه قضايا مصر الإستراتيجية، ونذكر هنا دور السودان في اجتماعات دول حوض النيل الأخيرة والتي طالبت فيها بعض الدول الإفريقية بإعادة تقسيم مياه النيل، ولولا ذلك الموقف للسودان لكانت مصر في موقف لا تحسد عليه، ورغم ذلك إعلام مصر يبخسنا حقنا. هذه بعض المواقف نسطرها للتاريخ لعل مصر تفيق من هلاويسها باجترار مكانتها التاريخية وحضارتها السابقة فنحن (أولاد النهار ده) وأوزان الدول تتبدل باستمرار ، ودول المساطب الشعبية حتما ستصعد للشرفات الرئيسية . نعود لمباراة الجزائر وللترتيبات المميزة التي تمت في زمن قياسي ووجيز من قبل كل الجهات الرسمية والشعبية السودانية، ورغم أن هذه المباراة أوقفت حال الخرطوم، إلا أن السودان كان راضيا بأن يقوم بهذا الدور ،الذي يتطلب حياد ومسؤولية وقد كان. لكن إعلام مصر المفتري لم يقدر ذلك، وتناسي غياب الآلاف من الآباء والأبناء من رجال الشرطة والأمن واللجان المنظمة عن أسرهم من اجل راحة ضيوف البلاد الأشقاء وتأمين سلامتهم ، وتناسي المصريون الأنانيون كذلك مصالح الشعب السوداني التي تعطلت بسبب الإجراءات التي لازمت المباراة، من إغلاق لبعض الطرق وتغيير مسارات بعضها، وتعطيل المؤسسات الرسمية، ولما في ذلك من تأخير لبعض ذوي الحاجات، ولا نريد مناً ولا أذي إذا تعرضنا لكرم الضيافة السوداني، وكيف أن البيوت والأسر التي لا علاقة لها بالرياضة لا من بعيد ولا من قريب، فتحت أبوابها للضيوف، وحتى أصحاب الشقق المفروشة الذين ينتظرون مثل هذه المناسبات لمزيد من الأرباح، تبرع بعضهم لاستضافة ضيوف البلاد، والذين لم يتوافدوا قاصدين موسم الحج أو دور الاستشفاء, بل جاؤوا للرفاهية والسياحة، فهل يحدث ذلك في مواسم السياحة في مصر أم الدنيا؟ حني رأس الدولة المشير البشير اقتطع من وقته الثمين لحظات، والتقى البعثتين الرياضيتين، فهل سبق أن التقي الرئيس مبارك بأي فريق رياضي سوداني أو أجرى مقابلة صحفية أو تلفزيونية مع إعلامي سوداني ؟ بل العكس يرسلون لنا متدربين صحفيين، ويتجرأ الواحد منهم بطلب مقابلة رئيسنا إمعانا في الافتراء. فهذه دعوة لكل السودانيين الأحرار لإعادة النظر في تقييم علاقتهم بمصر، بعيدا عن العواطف، واجترار ماضي الذكريات والنرجسيات بعد أن بدأ الإعلام المصري تصوير بلادنا كأنها منزل ( آيل) للسقوط ولا يجب علي أبناءهم أن يذهبوا إليه، وإلا لما أوردت بعض الصحف المصرية عناوين بارزة قائلة (إذا لم يستطع السودان حماية لاعبينا فسنرسل من يحميهم) ومثلما دعونا السودانيين لتقييم علاقتهم بمصر، فكذلك نوجه نفس الدعوة للمثقفين المصريين لفعل الشئ نفسه. ودعونا نعود للوراء قليلا فإبان فترة حكم الراحل المشير نميري وماقبلها، وجد جيل من السودانيين يعتبرون مصر هي أمهم الرؤوم ،وذلك بحكم التواصل الثقافي والفكري والأكاديمي، فأصبحت مصر هي النموذج والمثال، ولكن اليوم وبعد انقطاع البعثات التعليمية من والي مصر نشأ جيل سوداني لا ينظر إلي مصر نظرة سلفه الذي تسيطر عليه نظرية مصر الأم، بل جاء هذا الجيل وفي روحه الكثير من الندية والاعتداد بالنفس وعدم التبعية ولكن هذا الجيل ربما تحولت روحه الحيادية هذه إلي روح عدائية،تغذيها مثل هذه التراكمات والاستفزازات التي يقودها الإعلام المصري يوما بعد يوم، مدعوما بقوة آلته وفصاحة لسانه و(فهلوته) في أحيان كثيرة. إن المرارة التي نكتب بها هذا المقال تعكس غبن حقيقي وصدمة كبيرة في وجدان الشعب السوداني ، وشعور مؤلم بان مصر ظلت على الدوام تطعن السودان في الظهر، في حين أن الشعب السوداني ظل يتناسى الكثير من هذه الطعنات بدء من غزوات الفراعنة علي ممالك السودان القديم ،مرورا بالحكم الثنائي،وانتهاءا باحتضان واستقبال مصر كأول دولة عربية مسلمة لزعيم حركة التمرد آنذاك الراحل جون قرنق، ليستمد شرعية مصرية كادت أن تغير تاريخ وحضارة وانتماء السودان وللأبد، بواسطة جيش حركة تحرير السودان ،التي كانت تقاتل الجيش السوداني الذي حمي ودافع عن ترب مصر وحدودها وشرفها إبان الحروب الصهيونية يونيو67 واكتوبر73 وكان الإعلام المصري يتربص بالسودان وينتظر المناسبات ليطلق سهامه، فمن خلال حادثة بسيطة لازمت مباراة الجزائر، ونقول بسيطة مقارنة مع أعداد المشجعين من الدولتين، والشحن الزائد الذي تسبب فيه أيضا الإعلام المصري، صنعت لاحقا دراما محبوكة جدا كعادة المصريين حول انعدام الأمن تماماً في الخرطوم، وصور المصريين وأنهم يذبحون في أم درمان، عاصمة الأمن والصمود. وعلى الأرض تؤكد تقارير الأجهزة الرسمية المختصة عن إصابتين فقط، وبأذى بسيط وسط الأعداد المهولة من المشجعين المشحونين، وإذا كان حدث غير ذلك لتبارت فضائيات مصر بلا استثناء في عرضه، بعد أن لم تكفيها التسعين دقيقة من عمر المباراة ، فجعلت من السودان العدو الذي أعاق وصولها لبطولة كاس العالم2010م، وأخيرا وليس آخرا إننا لم ننسي شهداء ميدان المهندسين وإحداثه الدموية التي أزهقت أرواح عشرات السودانيين من النساء والأطفال تحت هراوات الأمن المصري بعد أن فتحت لهم الدولة المصرية مكاتب الهجرة الدولية وغررت بهم ، ويفشل الأمن المصري في تفريغهم دون خسائر رغم قلة عددهم مقارنة بمشجعي مباراة الجزائر، وينجح الأمن السوداني في تامين المباراة التي جند لها الإعلام أكثر من عشرين ألف مشجع من الطرفين، ولكن هل يرضي عنا الفراعنة.