يفقد المئات من العاملين في القطاع العام وظائفهم بسبب الخصخصة أو بيع المؤسسات وتصفيتها وحتى موظفي القطاع الخاص لم يسلموا فقد طالتهم يد الخصخصة تحت مبرر سوء الأوضاع الاقتصادية والأزمة المالية ويعد الفصل أقسى وأشد خاصة لمن يعيول أسرة أو لمن أرهقت كاهله الالتزامات والديون وكذلك لمن أفنى عمره في الوظيفة، وما زال لديه متسع للعطاء والإبداع ...«البيت الكبير» ناقش الأبعاد النفسية للفصل مع أصحاب تجارب حقيقية وخرج بالتالي.. تحقيق: منى النور ما بين الدهشة والذهول تروي آمنة وتيسير «إعلاميتان» تجربتهما قائلتين كان إحساسًا ممزوجًا بين الذهول والدهشة، طعمه كالحنظل خاصة أنه لا يوجد سبب واضح للفصل فقد كنا نخلص لعملنا ونداوم على متابعة الدوائر الإخبارية ومع كل ذلك وجدنا أنفسنا بين ليلة وضحاها في العراء دون وظيفة، وتجزم تيسير أن المؤهل العلمي ليس له دور في التعيين أو الفصل مضيفة أن أصحاب النفوس الضعيفة يتحكمون في المناصب وأن المرأة اليوم تتعرض للكثير من الضغوط في العمل. أثر عميقًًا العم صديق الهادي «معاشي» يناهز عمره السبعين عامًا قال: كنت أعمل في أحد المؤسسات الحكومية، أفنيت فيها زهرة شبابي متفانيًا في مهنتي التي أعتز بها كثيرًا، وبرغم قناعتي التامة بأنني وصلت إلى سن المعاش وقد حانت لحظة تقاعدي إلا أن الصدمة كان لها أثر عميق في نفسي فقد أُصبت بإحباط فقد كان عليَّ تحمل نظرات العطف من أعين أبنائي الكبار والجلوس طوال اليوم على الطرقات والنوادي لاحتساء القهوة والشاي وتصفح الصحف مع أبناء جيلي من المعاشيين وكبار السن وفي اعتقادي أن تجربة الفصل أو المعاش لا تختلف كثيرًا فكلاهما يحمل ذات الإحساس عدم رضا وتقول سهير آدم «موظفة» برغم علمي التام بعدم رضاء مديري عني إلا أنني لم أتوقع أن يصل به الأمر إلى التفكير في فصلي لذلك فقد كان وقع الخبر كالصاعقة على نفسي برغم محاولتي التماسك أمام زملائي الذين كانوا يسعون إلى التخفيف ومواساتي بكل العبارات إلا أنني علمت بعد ذلك أنهم كانوا على علم بنيتهم على فصلي وكنت آخر من يعلم، وفي اعتقادي أن عدم رضا المرؤوسين ومزاجهم يلعبان دورًا كبيرًا في فصل الموظفين وليس للأمر علاقة بالأداء أو غيره فكم من شخص شهد له بحسن الأداء والمواظبة وكان الفصل التعسفي نصيبه بدلاً من تكريمه. غياب المؤهل محمد عبد الرحيم «موظف» بدوره قال: الفصل التعسفي هو نوع من أنوع ظلم الإنسان لأخيه الإنسان إضافة إلى أن معظم المديرين لا يلمون بلوائح وقوانين العمل أو حتى الخدمة العامة والشيء المؤسف أن الدولة في حالات كثيرة تولي الأمر لمن لا يستحقونه ممن تنقصهم المعرفة والدراية والعلم بالوظيفة كمدير ومسؤول، وهذه أفضح صور المحسوبية إذ ينسحب أثر ذلك ليطول أسرًا بكاملها فيتسبب هذا المدير في تشريد أطفال من مدارسهم أو حتى رياض أطفالهم مع ارتفاع تكاليف الدراسة والتعليم في الآونة الأخيرة، وحسب علمي أن من يتسبب في مثل هذا الفصل الذي يأتي من غير مبررات مقنعة ويثبت تماماً بفعل التربص والترصد إنما هو ناتج من شخص مريض لذلك يجب أن تتبع الجهات المسؤولة وتتحرى الدقة في تعيين المدير أو أن لا يولى أمر أفراد إلا بعد التحري النفسي وغيره من أنواع المعاينات وإلا فإن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب. علم النفس د. نجدة محمد عبد الرحيم الاختصاصية النفسية تناولت القضية من زاويتها وقالت إن التعرض للفصل يمثل معضلة حقيقية خاصة للشباب قد يؤدي ذلك إلى تعرضه إلى مجموعة من الأزمات «نفسية، اجتماعية، مالية»، تؤثر في حياته، وتحمُّل تلك الأزمات يتراوح من شخص لآخر ففي الجانب النفسي قد يشعر بالضيق والتوتر والأرق، كذلك قد تحدث له عزلة اجتماعية وعدم انتماء للوطن وتكون نظرته للمستقبل متشائمة ويصبح سجينً لأفكاره إضافة إلى إمكانية ظهور الاعتلال النفسي وبالتالي يصبح إنسانًا غير صحيح نفسيًا لا يستطيع مواجهة الحياة.. وتنصح د. نجدة بضرورة التروي عند اتخاذ قرارات الفصل وغيرها خاصة لدى الشباب منعًا لحدوث مثل هذه المشكلات. أما في حالة المعاشين أو المتقاعدين فتقول إن المعاشي شخص قضى جل عمره في العطاء، وحقق ذاته وحدث له نوع من الإشباع النفسي، وتدريجيًا هيأ نفسه لمرحلة المعاش، ومع كل ذلك توجد بعض الآثار تتمثل في عدم الشعور بالأمان والانتقال الى مرحلة جديدة قد تُدخله في نوع من الصراع النفسي.