شاهد.. مقطع فيديو للفريق أول شمس الدين كباشي وهو يرقص مع جنوده ويحمسهم يشعل مواقع التواصل ويتصدر "الترند"    محلية حلفا توكد على زيادة الايرادات لتقديم خدمات جيدة    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    شاهد بالفيديو.. لاعبون سودانيون بقطر يغنون للفنانة هدى عربي داخل الملعب ونجم نجوم بحري يستعرض مهاراته الكروية على أنغام أغنيتها الشهيرة (الحب هدأ)    محمد وداعة يكتب: مصر .. لم تحتجز سفينة الاسلحة    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    الدردري: السودان بلدٌ مهمٌ جداً في المنطقة العربية وجزءٌ أساسيٌّ من الأمن الغذائي وسنبقى إلى جانبه    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    مدير المستشفيات بسنار يقف على ترتيبات فتح مركز غسيل الكلى بالدندر    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    مناوي ووالي البحر الأحمر .. تقديم الخدمات لأهل دارفور الموجودين بالولاية    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    لم يقنعني تبرير مراسل العربية أسباب إرتدائه الكدمول    نشطاء قحت والعملاء شذاذ الافاق باعوا دماء وارواح واعراض اهل السودان مقابل الدرهم والدولار    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    تنسيقية كيانات شرق السودان تضع طلبا في بريد الحكومة    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وزارة الخارجية .. المجزرة .. وغنائم الحرب ... بقلم: صالح الشفيع النيل
نشر في سودانيل يوم 27 - 03 - 2010

بينما كنت أقرأ في صحيفة سودانايل الألكترونية المقال الرصين الذى كتبه الصديق السفير الأديب جمال محمد ابراهيم في حق الدبلوماسيين الذين طردوا من وزارة الخارجية خلال الأعوام 1989 ، 1990 ، و 1991 – لفت نظرى فى الشبكة العنكبوتية في ذات الوقت أعلاناً من وزارة الخارجية تطلب فيه وظائف ( خبرات ) على ألا يتجاوز سن المتقدمين ال45 عاماً . والسؤال الذى يطرح نفسه بشدة هو أن الأنقاذ عندما فصلت ثلثى الدبلوماسيين العاملين بالوزارة ، لماذا لم تعمل على تعيين أو تدريب من يفوقونهم أو يماثلونهم كفاءة حتى لا تضطر الخارجية بعد أكثر من عشرين عاماً الى الأعتراف ضمناً بفشلها في استقطاب الكفاءات المميزة رغم تعيينها للأساتذة الجامعيين والأطباء والزراعيين وكل الذين يحلمون بالتوشح بلقب ( السفير ) . والأجابة على هذا السؤال بسيطة جداً وتتلخص في أن الدبلوماسيين الذين تم طردهم من وزارة الخارجية ليسوا قطع غيار- كما في السيارات- يمكن استبدالهم في أى وقت، بل أن حقائق الاشياء تقول أن هؤلاء الأفذاذ لن يتم تعويضهم ولو بعد عشرات السنين ذلك أن الفصل العشوائى الذى طال أشخاص الدبلوماسيين ، لم يصبهم في مقتل وحسب ، بل أصاب الخبرة التراكمية المهنية للوزارة التى بنيت على مهل منذ الاستقلال وأهال عليها التراب في فاجعة لم يحدث لها مثيلاً في دول العالم الثالث ولن يحدث لها مثيلأ...أن الدبلوماسيين الذين تم تشريدهم بلا رحمة وحرموا من مصدر رزقهم وأغلبهم في عنفوان الشباب ، لم يتركوا وشأنهم بل لوحقوا بشراسة وقيل فيهم ما قيل لاغتيالهم أخلاقياً. ولملم الجميع جراحهم وتفرقوا أيدى سبأ في بلاد الله الواسعة ...ولكن ظل الجرح نازفاً ومؤلماُ ومزمنأ.....بعد أكثر من عشرين عاماً ، مضى منهم من مضى وبقى من بقى ليروى للتاريخ والأحفاد القصة العظيمة التى تسمى عدم الوفاء لأهل الوفاء.....
وينبغى أن يعرف السادة القراء أننى لم أقصد في هذه العجالة أن أبكى على أطلال وزارة الخارجية وركامها وان تعالت أبراجها وعانقت عنان السماء.....وما قصدت أيضاً أن أسىء الى الدبلوماسيين العاملين بالوزارة فكثير منهم برىء ومجتهد وصديق أيضاً..ولكنى عنيت فى المقام الأول أن ألبى الدعوة الجريئة لصديقى السفير جمال محمد ابراهيم الذى لم يترجل من على صهوة جواد الخارجية الا قبل هنيهة ...ولم يحط عصا الترحال من آخر سفارة عمل فيها الا قبل برهة...تلك الدعوة الجريئة التى يشجع فيها الدبلوماسيين على مقاومة الأحزان التى سكنت في وجدانهم ردحاَ من الزمان وأن يفصحوا عن تجاربهم الأليمة...عسى أن يكون في ذلك عبرة لمن يعتبر... والدبلوماسيون المفصولون هم فرسان القلم والكلم بلا منازع وان لم يشتهروا كلهم شهرة ود المكى أو الحردلو أو عبد الهادى الصديق..... ومن هنا جاءت دعوة السفير جمال لهم ليطلقوا للآه العنان حتى بنساب حقائق ممزوجة بألم المعاناة الممض ....وأنا بصفتى أحد الدبلوماسيين الذين طردوا من الوزارة في 6/11/1989 بقرار من مجلس الوزراء وكنت وقتها في درجة السكرتير الاول ....ثم عدت الى الوزارة مجدداً في 2008 بقرار من ما يسمى بلجنة اعادة المفصولين تعسفياً – أى بعد عشرين عاماً- ثم طردت منها مرة أخرى بعد عام واحد من العمل وأحلت الى المعاش وأنا في درجة المستشار...رأيت أن أقص قصصى على الملأ بشىء من التفصيل لعل وعسى أن يكون ذلك حافزاً ودافعاً لزملائنا ليشرعوا الأسنة دفاعاً عن أنفسهم وأعلاءاً لقيم العمل الدبلوماسى لدى الشباب الذين لا يعلمون كيف كافحت هذه الوزارة فى أحلك ظروف الفقر الأقتصادى لتبنى سياسة خارجية متوازنة لم تكن راحة الدبلوماسى واحدة من أولوياتها...ذلك أن المال على قلته كان ينفق على العمل السياسى..والدلالة على ذلك أن نفراً غير قليل من كبار قادة العمل الدبلوماسي لم يستطيعوا أن يشيدوا بيوتاً تأوى أسرهم الاّ بعد عشرات السنين ، بينما لم يمتلك آخرون متراً مربعاً واحداً في بلد المليون ميل مربع...رغم وجودهم في العاصمة منذ عقود خلت.....وأنا واحد منهم... صدقوا أو لا تصدقوا...
ومن الحكايات المستظرفة التى سمعتها في وزارة الخارجية أيام الزمن الجميل ، أن الرئيس الفريق أبراهيم عبود ، عليه الرحمة ، أراد أن يلحق أحد أقاربه بوزارة الخارجية ، فاتصل هاتفياً بوكيل الوزارة آنذاك السفير خليفة عباس عليه رحمة الله وطلب منه أن يعين ذلك المحسوب دبلوماسياً بالوزارة. فما كان من الوكيل خليفة عباس الاّ أن قال للرئيس عبود ( والله يا معالى الرئيس حقو أنت تجى تقعد في الكرسى بتاعى ده وتعين الدبلوماسيين بالطريقة اللى تعجبك )...واعتذر الرئيس عبود ولم يعين ذلك الشخص فى وزارة الخارجية....وهذه القصة ربما تكون حقيقية وربما تكون خيالية ولكن المغزى منها واضح وهو أن وزارة الخارجية بقامتها السامقة لا ينبغى بل ومن المستنكر أن يتم التعيين لها بهذا الأسلوب المستهجن حتى وان جاء الطلب من الرئيس نفسه..... كما يؤكد المغزى الأدب الجم والخلق الرفيع الذى كان يتمتع به الرئيس عبود بالرغم من أنه كان رئيساً عسكرياً شمولياً.. وأعجبت بهذه القصة أيما اعجاب....أعجبت بالوكيل والرئيس ولسان حالى يقول ( تصوروا لو ما كنت سودانى وأهل الحارة ما أهلى ) .....
تخرجت في جامعة الخرطوم عام 1973 من كلية الآداب ببكالوريوس في اللغة الأنجليزية واللغة الفرنسية والتحقت يوزارة الثقافة والأعلام وعملت لمدة ثلاثة سنوات ونصف بمصلحة الثقافة ومعهد الموسيقى والمسرح وأدارة الفنون المسرحية والأستعراضية . وتوليت عملية الترجمة للخواجات الذين استقدموا لهذا الشأن...وكان هذا في زمن السادة عمر الحاج موسى رحمه الله وبونا ملوال ود.اسماعيل الحاج موسى وأبراهيم الصلحى ود.محمد عبد الحى رحمه الله.
ونافست لوزارة الخارجية عبر الجلوس للأمتحانات المحددة لذلك بجامعة الخرطوم ونجحت مع تسعين آخرين من بين آلاف الممتحنين علماً بأن من يرسب فى اللغة الأنجليزية يستبعد تلقائياً من المنافسة وان نجح في باقى الأوراق .... ومعهم كل الحق...لأن من عرف لغة قوم أمن شرهم... ولنا في المستشرقين مثال...فقد درسوا اللغة العربية واللغات الشرقية واستفادوا منها لنقل الحضارة العربية والأسلامية الى بلادهم ..... وكذلك الدس للأسلام والمسلمين اذا اقتضى الأمر.... بينما استصغر مخططو ( تثوير ) العمل بالخارجية لغة الكفار وداسوا عليها بأحذيتهم ( والناس على دين ملوكهم ) ، حتى أنه اذا سألت الصحافة الأجنبية أحدهم حول اتهام السودان بجرائم الحرب والجرائم ضد الأنسانية وجرائم الأبادة الجماعية ، فغر فاه من الدهشة تعجباً..... وكما قالت لى أحدى السفيرات المرموقات ( يطرشنى )..ويحاول العطارون الآن وبعد أكثر من عقدين من الزمان ، أن يصلحوا ما أفسده الدهر.....ولكن هيهات ...فالأمر يحتاج الى دهر آخر.
هذا وقد حضرت المعاينة المخصصة لهذا الغرض و التى ضمت كبار أساتذة جامعة الخرطوم ومعهد الادارة العامة وكبار السفراء والدكتور حسبو سليمان أختصاصى الأمراض النفسية والعصبية.... تحدثت في المقابلة عن أى شىء وكل شىء بالعربى والانجليزى وجاوبت على أى سؤال.... لا تعتقدوا يا أصدقائى أن رباطة جأشى وثبات جنانى أمام ذلك الجمع الغفير المخيف من العلماء والمختصين كان بسبب ذكائى .....لا....بل العكس كان صحيحاً....أنا كنت يائساً لأن أهلى وزملائى أكدوا لى قبل المعاينة بأن تلك المقابلات عادة ما تكون صورية وأن الذين يتم قبولهم في الخارجية هم أولاد المصارين البيض وأصحاب الواسطات وأولاد الخرطوم وأننى مهما تفلسفت في الأجابة فذلك لن يغير من أمر استبعادى شيئا سيما وأننى من كردفان ومن مدينة الابيض تحديداً ومن قبيلة الحوازمة بتحديد أكثر ولا يعرفنى أحد في الخرطوم ولا أعرف أحداً....وعليه والأمر كذلك فقد اتسمت اجاباتى بالتحدى ( يعنى اجابات المفارق عينو قوية..... وزى ما تجى تجى....وفي ستين )...وعدت الى وظيفتى بوزارة الثقافة والأعلام ونسيت أمر الخارجية ....وبعد ثلاثة شهور من تلك المقابلة التى اعتقدت انها أسوأ ما حدث لى فى سنى اليافع ذاك ، جاء من يخبرنى بأنه سمع أسمى يذاع في المذياع....وبالفعل ذهبت الى وزارة الخدمة العامة والاصلاح الادارى ووجدت أسمى معلقاً في ( البورد ) مع ثلاثة وعشرين آخرين تم قبولهم بوزارة الخارجية بدرجة السكرتير الثالث .....وهذه شهادة منى للتاريخ بحق قيادة وزارة الخارجية عند قبولها لدفعة عام 1977 . وعملت مباشرة في الأدارة الثقافية مع السفير سيد أحمد الحردلو. وعاصرت زواجه وانبهرت ببطاقة الدعوة...تلك التحفة الفنية الرائعة التى وجهها الى أهله وأصدقائه ومعارفه...اذ كانت أول بطاقة أدبية شعرية تقدم للمدعوين لم يسبق أن صمم شىء مماثل لها من قبل في السودان .. وبعد ذلك أصبحت موضة العرسان أن يزينوا بطاقات دعوات زواجهم بالشعر والأدب والفن......نقلت بعد ذلك الى سفارة لسودان فى انجمينا وعملت فيها لمدة سنتين كانتا مليئتين بالنشاط والعمل المضنى حيث كنا نعمل على مشروع الرئيس نميرى بتحقيق المصالحة الوطنية في تشاد....وكلفنا هذا النشاط شهداء مثل القنصل ومحررسونا كما تعرض شخصى لقصف بواسطة الدبابات والأسلحة الرشاشة الثقيلة ولكنى خرجت من هذه المعمعة دون خدش ...وكما يقال فان عمر الشقي بقي. وكان سفيرنا خلال تلك الفترة يوسف مختار طيب الله ثراه...وتم نقلى الى دولة الكويت حيث عملت مع السفراء موسى عوض بلال وزير الصناعة الأسبق رحمه الله والسفير عزالدين حامد الحسن والسفير على سحلول الذى أصبح وزيراً للخارجية فيما بعد.....عليه الرحمة....
من جهة أخرى عمد الرئيس نميرى الى أغلاق 26 سفارة سودانية فى الخارج حوالى عام 1983 بدعوى ضعف الأمكانات...وعاد رتل من الدبلوماسيين من السفارات المغلقة الى رئاسة الوزارة...وأعطت الرئاسة الدبلوماسيين الضوء الأخضر ليبحثوا لهم عن وظائف خارج السودان على أن تقوم رئاسة الوزارة بتقنين هذه الأعمال مع ديوان شئون الخدمة على شكل أعارات....وعليه وافقت الوزارة كتابة على الوظيفة التى حصلت عليها وهى باحث ومترجم في المجلس الأعلى للأسكان الذى كان يرأسه سمو ولى عهد دولة الكويت ورئيس وزرائها آنذاك الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح ....واستمريت في هذه الوظيفة لمدة 5 سنوات حسب الفترة القانونية للأعارة من 1984 وحتى 1988 ...بعدها عدت للخارجية في يناير 1989 وعملت سكرتيراً أولاً في الأدارة العربية مع السفير السمحونى.....ومع قيام الأنقاذ تم تعيين السفير على سحلول وزيراً للخارجية....وعملت مع زملائى فى الأدارة العربية على تحضير معظم الملفات السياسية والأقتصادية التى طاف بها رئيس وأعضاء مجلس قيادة الثورة على الدول العربية.....بل وشكرنا السيد الرئيس عبر الوزير على سحلول على ذلك الجهد المميز الذى قمنا به.
وفي 6 / 11/ 1989 تمت أحالتى للصالح العام بموجب قرار مجلس الوزرء... ولم يتم الأعتراف بأعارتى التى اعترض عليها ديوان شئون الخدمة بدعوى أنهم لم يخطروا وأن الأعارة تعتبر تعاقداً شخصياً وعليه تعتبر اجازة بدون مرتب . وتم خصم الخمسة سنوات من مدة خدمتى التى بلغت 16 عاماً وبقى منها 11 عاماً فقط وهى حسب القانون آنذاك لا تؤهلنى لمزايا الخدمة المعاشية التى يشترط للتمتع بها أن يمضى الموظف 12 عاماً في الخدمة كحد أدنى....وصرفوا لى مبلغ17 ألف جنيه مكافأة نهاية خدمة.....وحاولت أن أشرح لديوان شئون الخدمة ملابسات هذه الأعارة ولكن لا حياة لمن تنادى خاصة وأنى مفصول للصالح العام....والمفصول للصالح العام في ذلك الزمان كان كالجمل الأجرب الذى ينبغى الفرار منه خشية العدوى.وكذلك تقدمت بشكوى للجنة التى تم تكوينها برئاسة اللواء التجانى آدم الطاهر. وأرسلت تلك اللجنة خطاباً للوزير على سحلول تستفسره عما اذا كانت وزارة الخارجية قد أوصت بفصلى....ورد عليهم الوزير باننى لست من بين الدبلوماسيين الذين أوصت الوزارة بفصلهم. وطلب منهم أعادتى الى الخدمة فوراً حبث أنه يعرفنى وعملت معه بالكويت سنوات....ولكن لم يأت الرد مطلقاً على هذا الخطاب.... وعندها فقط استنتجت أن الوزير سحلول أوصى بفصل بعض الدبلوماسيين .. كما علمت أيضاً أن قلة من الدبلوماسيين كانوا أشد قسوة على زملائهم من الأنقاذ نفسها .. وهذا يندرج تحت بند الجبن والأنتهازية في آن وهو موجود في كل المجتمعات....ولكن السؤال الأزلى يبقى قائماً وهو هل جنوا من ذلك شيئاً كثيراً يوازى ثمن الخيانة؟؟؟ ....ونقطة مهمة أخرى ينبغى استجلاؤها وهى أنه خلال انعقاد مؤتمرقمة منظمة الوحدة الأفريقية بالخرطوم عام 1978 تم استدعاء الرجل الأول والثانى من السفارة بانجمينا لحضور القمة وهما السفير والسكرتير الثانى...وتوليت أنا السكرتير الثالث مهمة القيام بالأعمال بالأنابة ....ولكن بعد أيام جاءنى خطاب من رئاسة الوزارة يأمرنى بضرورة تسليم هذه المهمة للسيد القنصل....وبالطبع نفذت الأمر لكن كتبت لوكيل الوزارة مولانا هاشم عثمان وأوضحت له بأن هذ التصرف من قبل الوزارة يعارض المادة 19 من أتفاقية فينا لعام 1961 التى تنظم العلاقات الدبلوماسية والتى تشير صراحة أن يقوم الدبلوماسى الأصيل مهما صغرت رتبته بمهمة القيام بالأعمال في حال غياب الدبلوماسيين الأكبر رتبة.....ولا ينبغى لأى شخص آخر في البعثة مهما علت رتبته العسكرية أو الأقتصادية أو الثقافية أن يتولى هذه المهمة مادام أحد الدبلوماسيين موجوداً...وبالفعل طلبت منى الوزارة أن أحافظ على ممتلكات السفارة وأن لا أقوم بأى عمل لحين وصول السفير الذى سيتولى شرح هذا الموضوع لى. وعندما وصل السفير قال لى أن خطابى كان صحيحاً وأدخل الوزارة في حرج شديد..... وهو الأحتجاج الثانى الذى أرسل بهذا الشأن ...وعموماً ومما علمته بعد ذلك أن القنصلية بالسفارة كتبت عنى تقريراً سلبياً لم يتركوا لى فيه حسنة....ويندرج هذا الأمر ضمن المشاكل الكثيرة والنزاعات التى تنشب بين الدبلوماسيين الأصيلين والوافدين على الوزارة ودائماً ما ينتصر الوافدون ويتغولون على صلاحيات وزارة الخارجية تدعمهم في ذلك الأنظمة الشمولية التى خرجوا من رحمها . واذا وجدنا العذر للخارجية فيما مضى ، فما بالها لا تزال تسلم رقبتها للأجهزة الأمنية حتى غاب تأثيرها تماماً عن مجريات السياسة الخارجية بالرغم من أن الحال من بعضه.
بعد ذلك لملمت أطرافى وسافرت الى سلطنة عمان التى احتضنتنى . وعملت فى وزارة الصحة العمانية من 1993 وحتى نوفمبر 2007 مدي...راً لمكتب رئيس الخدمات الصحية بمحافظة ظفار بمدينة صلالة...وكنت أقوم بأعمال اللجان والترجمة والعلاقات الثنائية والتنسيق....وكنت أحضر الى السودان كل 4 سنوات ولا أدعى أننى كنت خلال هذه الفترة ملماً بما يحدث فى الخارجية ....وعلمت أنه قد تم اعادة بعض البلوماسيين الذي لا يزيدون على أصابع اليد الواحدة الى الخدمة وغالباً لأسباب جهوية وقبلية.
وفى اكتوبر 2007 تمت اعادة 3 دبلوماسيين و3 اداريين الى الخدمة كنت من بينهم وذلك بموجب قرارات السيد رئيس الجمهورية القاضبة باعادة المفصولين تعسفياً للعمل....وباشرت مهامى بالمكتب التنفيذى بالوزارة في نهاية نوفمبر 2007 ..وكانت اللجنة قد أوصت بترقيتى درجة واحدة أى من سكرتير أول الى مستشار بالرغم من أننى وصلت درجة المستشارهذه منذ عشرين عاماً ....بمعنى أنه عندما تم فصلى من الخدمة كنت قد تجاوزت حاجز الكفاءة بشهرين...أى اننى أمضيت فى درجة السكرتير الأول 4 سنوات وشهرين... وبتعبير آخر أننى كنت مستشاراً بالفعل منذ عشرين عاماً...وكان ينبغى على اللجنة أن ترّفعنى الى الدرجة الأعلى وهى درجة الوزير المفوض ولكن رضينا بالهم والهم لم يرض بنا ذلك أن الحق البين يقول أن زملاءنا كانو قد ترقوا الى درجة السفير منذ عشرات السنين وكان ينبغى أن نساوى بهم وألا نرضى بأقل من ذلك الا أن فلسفتى فى كل هذه المرمطة مع تلك اللجنة التى تشبه مفوضية الأنتخابات ، أن الوزارة ليست ملكاً لأحد وهى وزارة جميع السودانيين...وهكذا عملت مستشاراً بالمكتب التنفيذى لمدة عام كتب خلاله السيد الوزير كرتى كتاباً للسيد رئيس الجمهورية يوصى بترقيتى الى درجة السفير... ولكن وبعد المتابعة لسنة كاملة لم يتم التوقيع على هذا القرار حتى تمت أحالتى على المعاش فى وظيفة مستشار بالدرجة الخامسة اعتباراً من 9 /1/ 2009 ( لبلوغى السن القانونى). وأى سن قانونى لرجل لا تنطبق عليه شروط الخدمة المدنية بل يستحق التعويض عما فعلوه به.. وأى سن قانونى ونصف البلاد تعمل بشهادات تقدير سن مزورة... ولم أسالهم أبداً لماذا... وربما تعلمت فضيلة الصمت اذ أن الوزارة يخيم عليها صمت القبور...وهناك شىء ما يحلق في الجو يمنعك من الكلام مما يمكن أن أشبهه بلعنة أرواح الهنود الحمر التى لا تسمح بالضوضاء أو بمن يعكر هدوء سباتها المقدس... وطرحت مشكلتى فى الصحف قبل أن أغادر الوزارة رسمياً ولكن لم يسألنى اى مسئول عن هذا الأمر حتى يومنا هذا .
وتبادلت الكلمات مع الدكتور مطرف صديق فى حفل الوداع المبسط الذى أقيم لى ولأعضاء المكتب التنفيذى..وتعلل د. مطرف وهو أنسان لطيف على المستوى الشخصى بأن الجهات المختصة لم توافق بعد على رفع سن المعاش بوزارة الخارجية الى 65 سنة أسوة بالقضائية لذلك لم يستطيعوا أن يفعلوا لى شيئاً ......الخ ويعلم الدكتور مطرف أن الوزارة ملأى بالسفراء من كل حدب وصوب من سفراء الأنقاذ الى سفراء وسفيرات الحركة الشعبية بمختلف مسمياتهم الى السفراء المزمنين بالخارجية الذين تجاوزوا ال65 عاماً حتى أنك أذا رفعت أى حجر ربما تجد تحته من يقول لك أنه سفير...حتى زميلتى الدبلوماسية الوحيدة التى عادت معى تم نقلها ومنحت فرصة اضافية بينما لم أعامل مثلها...وعندما أقول أن المسألة فيها شىء من القبلية والجهوية لا تلومونى وانظروا حولكم الى الملحقين الأعلاميين الذين تم تعيينهم بالسفارات والى السفراء الذين أعيد تعيينهم في الخارجية وغيرها...وكما قال أخى السفير جمال ، أصبحت أنا آخر الحوازمة الذين طردوا من الخارجية كما كان صديقنا ماريو أتو أنطون آخر الأقباط . ومن سخريات القدر ومفارقاته أنه تم استيعابى بالخارجية حسب قدراتى الشخصية من قبل ما يسمونهم بالعلمانيين..فيما تم فصلى ظلماً وعدواناً من قبل الذين يصنفون أنفسهم في عداد المسلمين....وما دروا أن الدين كله المعاملة... وقد فاز عليهم العلمانيون في المعاملة وأتمنى أن يفوزوا عليهم في الأنتخابات.
تقاعدت على الدرجة الخامسة وخصم من معاشى 50 ألف جنيه هى عبارة عن ال 17 ألف التى تقاضيتها عام1989 كمكافأة نهاية خدمة عندما لم أدخل الخدمة المعاشية...وتم كذلك خصم 5سنوات من سنوات خدمتى هى عبارة عن سنوات الأجازة بدون مرتب التى لم تهتم الخارجية بتسويتها مع الديوان بالرغم من أننى التحقت بالأعارة كما تقدم بموافقة الوزارة وكنت أدفع ضرائب الاعارة بانتظام لحكومة السودان .....أما باقى مبلغ المعاش وقدره 218 جنيه فقد أصبح كله دائناً لتسديد جارى المعاش للسنوات العشرين الماضية التى لم أكن فيها موظفاً بحكومة السودان....ورأفت لجنة المعاشات لحالى وقسمت المبلغ الى نصفين - مبلغ 109 جنيه يخصم كقسط لمتأخرات المعاش....و 109 جنيه يتم دفعها لى كمعاش شهرى ....وتجدر الاشارة أن ال 109 جنيه خاصتى أستلمها 107 جنيه فقط ...فأين يا ترى يذهب الجنيهان....
وعموماً ربما تكون النقاط أدناه جديرة بالملاحظة :
كانت الفكرة الأساسية تقضى بفصل كل الدبلوماسيين من الخارجية دفعة واحدة ولكنهم رأوا أن هذا الاجراء ربما يخلق بعض البلبلة ، لذلك اتفقوا على أفراغ الوزارة على مراحل وبالفعل تم أفراغها خلال ثلاثة أعوام . ومعلوم أن العبث الذى تعرضت له وزارة الخارجية ياسم التثوير انما قصد به أخلاء الأماكن للقادمين الجدد ومن ثم تمكينهم من هذه الوزارة العنيدة التى استعصت عليهم عبر المنافسات الحرة.
ان مفهوم العمل الخارجى فى الدول المتخلفة يتلخص فى السفر وجمع المال والسياحة فى البلدان الجميلة والتمرغ فى طنافس الحياة المخملية .. لذلك ظلت هذه الوزارة تعج بأبناء ومحاسيب المتنفذين من شريكي الحكم وأبناء السفراء والرؤساء بل أصبحت من أكبر مغانم السلطة وأنفالها.
ان الخلفية المعرفية الجيدة والأبداع الدبلوماسى لم يعودا كافيين لارتقاء سلم النجاح الدبلوماسى وربما كانا منقصة للدبلوماسى .
ان معايير التقييم للعمل الدبلوماسى أصبحت تخضع للمقاييس والأمزجة الشخصية والقبلية والجهوية ومدى ارتباط الديلوماسى بالدوائرخارج أسوار الوزارة.
ان أرضاء النظام الحاكم أصبح غاية ما يحرص عليه الدبلوماسيون ، وليس الموضوعية المهنية والتحليل المبنى على المؤشرات والحقائق التى تؤسس لمواقف سودانية مميزة في المحافل الأقليمية والدولية.
ان تفتت النسيج الدبلوماسى بوزارة الخارجية واهتزاز روح الزمالة بين من يظنون أنهم من أهل النظام الأصليين - أى المؤتمر الوطنى – وبين من هم دون ذلك مرتبة أفرز نوعاً من الحذر بين زملاء الفريق الواحد وان كانوا يبتسمون فى وجوه بعضهم البعض.
ان عدم العدالة فى أجراء الترقيات و التنقلات والتدريب وحجز سفارات بعينها لكوادر بعينها ولد أنيناً غاضباً صامتاً بين الدبلوماسيين والأداريين مما أنعكس نوعاً من اللامبالاة فى الأداء.
ان الأحساس بأن بعض العمل الدبلوماسى والأدارى يطبخ خارج مطابخ وزارة الخارجية ويؤتى به جاهزاً ، جعله غير مستساغاً لدى الكثيرين وربما أدى هذا الاحساس الى التواكل والتقاعس.
ان سياسة الفصل الجماعى من الخدمة التى ابتدعها نظام الأنقاذ خلقت جيلاً من الدبلوماسيين المترددين ، ليس لخوف فيهم وانما حرصاَ على وظائفهم مما يقتل روح المبادرة والمبادأة.
ان أسلوب الواسطة المتبع فى كثير من دواوين الدولة ومن بينها الخارجية، لن يؤ من للوزارة الحصول على أفضل الكوادر ، ووصلت الوزارة الى مرحلة بدأت تطلب فيها الخبرات من خارجها بعد عشرين عاماً كما هو حادث الآن.
ان انفصال القيادة عن القاعدة وتعدد المسئولين عن أعمال الوزارة جعل منها وزارة علاقات عامة ليس لها كبير أثر في رسم السياسة الخارجية.
ويا أصدقائى ان كنتم تألمون فأنا في هدأة وقلت ما عندى وأتمنى أن تقولوا ماتعلمون عسى أن يساهم ذلك فى وضع الأمور في نصابها بالنسبة للأجيال القادمة الذين هم بلا شك أبناؤنا...ويا صديقى جمال قد أجبت طلبك وآمل أن تقنع الآخرين بالخروج من عباءة الصمت الرهيب هذا..
salih shafie [[email protected]]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.