يقول تقرير نشرته صحيفة ماكلاتشى الامريكية في عددها الأخير بعنوان «جنوب السودان طفل مشوَّه يسبب كارثة عالمية» إن عدوان جوبا على هجليج أكبر مؤشر على فشل مشروع بناء دولة، حيث اتسمت بالفساد العميق، واتهمت قواتها العسكرية بانتهاكات واسعة النطاق ضد شعبها. ولعل واشنطن أول من كشف تآكل الدولة الوليدة من خلال التقرير الذي أصدرته وزارة الخارجية في مجال حقوق الإنسان، والذي كشفت فيه عن انتهاكات واسعة النطاق من قبل قوات الأمن ضد المواطنين، إلا أن ذلك لا ينفي وجود مؤشرات أكثر وضوحاً كالفساد المالي والإداري، ومع ذلك فإن إدارة أوباما وآخرين يرون أن جنوب السودان هو الفريسة التي تجب حمايتها من صقر الخرطوم، ويترأس هذه المجموعة بريندر غاست وهو مسؤول سابق في إدارة الرئيس كلنتون، وسوزان رايس سفيرة أوباما لدى الأممالمتحدة، والممثل جورج كولوني الذي قام بحملة لجمع التبرعات لدعم حملة أوباما الانتخابية. وفي الشهر الماضي اعترفت جوبا المفلسة مالياً بأن مسؤولين حكوميين قد سرقوا أربعة مليارات دولار ما يعادل ضعف الميزانية السنوية، ويقول عمال الاغاثة بجنوب السودان إن الجيش يتصرف مثل «الحرامى» أكثر من الحامي لمقدرات البلاد، وذلك أن «200» الف جندي لا يفعلون شيئاً لردع المليشيات المسلحة. وفي الأسبوع الماضي اكتشفت الصحيفة تقارير سرية أُرسلت إلى سفارات غربية مقرها جوبا تقول إن الجيش ارتكب انتهاكات خطيرة بحق أقلية المورلي، وأكدت جهات حكومية إحراق الجيش لمئات المنازل الشهر الماضي. إن مثل هذه الانتهاكات تعرض المجتمع الدولي الذي يعمل على دعم جوبا للحرج إلى حد كبير، الأمر الذي دفع المانحين الغربيين إلى استئجار شركات استشارية كبرى مثل شركة «كي. بي. أم. جي» وغيرها، إلا أن وجود الجنرالات المسرحين في مفاصل الدولة حولهم إلى جليسات أطفال يقبعون خلف الحواسيب ويتجنبون الحديث إلى الصحافيين. ويقول برينور ريتشارد الباحث الفرنسي في الشأن الإفريقى والذى عرف بتشدده في انتقاد نظام الخرطوم للصحيفة، إنه رفض بشدة انفصال الجنوب عن السودان، وذلك لأن الحركة فاسدة حتى النخاع. وبالرغم من إنكار جوبا دعمها للمتمردين على الخرطوم، إلا أن الدبلوماسيين وغيرهم يقدمون أدلة حاسمة على أن الجنوب يأوي وينسق ويحارب جنباً إلى جنب مع المتمردين الهادفين لإطاحة نظام الخرطوم، إضافة إلى ذلك فقد أصدرت جوبا خريطة جديدة في مايو ضمنت داخلها مناطق ليس هناك جدل حول تبعينتها للخرطوم، الأمر الذي يجعلها كقطار شحن يسير على قضيب سكة حديد متهالك. ويستند مسؤولون أمريكيون في دفاعهم عن جوبا إلى تاريخ مؤلم من الحروب والاستفزازات العسكرية التي يدعون أن الخرطوم تشنها على الجنوب. وكشفت سلسلة من المقابلات أجرتها الصحيفة على مدى الشهور الثلاثة الماضية مع دبلوماسيين ومسؤولين غربيين وجنوبيين، أن اجتياح هجليج كان عملية منظمة نفذتها الحركة بالتضامن مع حركة العدل والمساواة والذين بدأوا فى التمركز ببانتيو منذ فبراير الماضى، وأن القوات كانت تقوم بعمليات تفتيش وتمشيط منتظمة بالمنطقة جنبا إلى جنب مع الحركة خشية انكشاف أمرهم. ويقول مسؤول غربي رفيع رفض الإفصاح عن هويته للصحيفة إن الهجوم على هجليج كان ضمن خطة مدروسة بين الحركة الشعبية وحركة العدل والمساواة قصد بها اطاحة نظام الخرطوم، فيما أكد مسؤول إفريقي رفيع المستوى أن الهجوم على هجليج كان جزءاً من خطة كبيرة لشل الاقتصاد السوداني. وأضاف الدبلوماسي الذي فضل حجب هويته لحرصة على علاقته بالمسؤولين الجنوبيين، أن الجنوب سعى لإيقاف تصدير النفط في يناير بدلاً من الاتفاق على تصديره مع السودان، الأمر الذى سيدر على الأخير أموالاً تعوض عليه خسارة حصته من النفط، وقد ظن المسؤولون في الجنوب أن انهيار الاقتصاد إضافة إلى اجتياح هجليج كفيل بإشعال الشارع السوداني ومن ثم إطاحة نظام الخرطوم. ويقول عزت كوكو أحد كبار المتمردين في منطقة جبال النوبة لصحيفة «ميكلاتشي» إن العدل والمساواة كانت تسعى لجعل هجليج نقطة ربط مع المتمردين في الشمال. ويقول اليكس دي وول الباحث في الشأن السوداني ومستشار فريق الوساطة التابع للاتحاد الإفريقى للصحيفة، إن الحركة تكرر ذات السيناريو السياسي الذي انتهجه زعيمها الراحل جون قرنق، حيث كان قرنق يحرص على خلق بلبلة فى الخرطوم من خلال إذكاء نار التمرد في دارفور أثناء عملية التفاوض، بغية فتح أكثر من جبهة ملتهبة ترغم الخرطوم على مزيدٍ من التنازلات.