شاركت بعدد من المقالات وأنا أدلي بدلوي في مسألة البحث عن حلول للأزمة المالية التي لحقت بالبلاد، وكان آخر تلك المقالات تحت عنوان «ما تقلبوها عسكرية عديل»، وقد يكون ما جاء من متقرحات في تلك المقالات حلاً للأزمة يمثل وجهة نظر شخصية وربما حلم أريده أن يتحقق، وقد وصفني أحد القراء قائلاً «إنك يا إبراهيم تحلم» ولكنني لم أر في ما كتبت حلماً، ولم أر فيه عدم إمكانية التطبيق. والآن اتخذت الإجراءات لحلحلة الأزمة، واتخذت القرارات واجبة التنفيذ، وخاطب الرئيس الشعب أمام برلمانه، وجاء وزير المالية وفصل الإجراءات تفصيلاً دقيقاً أمام أعضاء البرلمان بكامل هيئته.. نعم أعضاء البرلمان الذي وقفوا موقفاً قوياً في البداية ضد رفع الدعم عن المحروقات، أعضاء البرلمان الذين لا يمانعون في أن يذهبوا في إجازة بدون مخصصات لستة أشهر قادمة، أعضاء البرلمان الذين قالوا «الشعب ينتظر يا ريس»، أعضاء البرلمان الذين وقف رئيسهم والقياديون فيه وقالوا هذه استقالاتنا دون شروط مساهمة منا في الحلول.. ولكن كيف كان حالهم يوم وقف وزير المالية أمامهم يفصل الإجراءات التي اتخذت؟ هل رأيتهم أخي القارئ الكريم؟ هل رأيت الحيرة على وجوههم وهم شاردو الذهن كأنما على رؤوسهم الطير، زائغو البصر كأن من يقف أمامهم جلاد شديد البأس؟ هل رأيتهم أخي القارئ الكريم يا من كنت تنتظر، عندما قال وزير المالية لقد زدنا سعر جالون البنزين خمسة جنيهات وجالون الجازولين جنيهين ونصف الجنيه، ونفذنا ذلك منذ الأمس دون انتظار موافقتكم!! هل كنت تنتظر منهم كما كنت أنا أنتظر أن يقاطعوا وزير المالية احتجاجاً ويخرجوا في استقالة جماعية كما خرج نواب مجلس النواب الكويتي احتجاجاً على قرار المحكمة الدستورية؟! لا شك أن كثيراً من الإجراءات التي اتخذت إيجابية لو تجرد أهل السلطة والحكم في تنفيذها والإيفاء بحقوقها، كما أن تلك الإجراءات ستساعد في الحد من من التدهور الاقتصادي الذي حدث، ولكنها لن تحل الأزمة حلاً نهائياً، وستحتاج الحكومة إلى الجلوس مرة أخرى لإيجاد حلول أخرى. إنني لست متشائماً ولكني أسمع ما يقوله أهل الاقتصاد، وأرى بعيني سلوك كثير من أهل السلطة والحكم، وأعايش أناساً عصرتهم الحياة عصراً وأصبحوا يخشون الغد وما يحمله لهم من كربة وضيق. أخي الرئيس مازال الشعب ينتظر، وسيأتي يوم قريب تعود إليه بحثاً عن حلول أخرى، لأن الذي اتخذ لن يكن فيه الحل الناجع، بل في كثير منه مزيد من الضغط على المواطن. { أخي الرئيس مازلت أرى في ما يراه الناس من حولي أنه الصواب، وإذا لم يكن الآن فليكن البديل الذي يلجأ إليه. ويرى كثير من الناس أن الظروف التي تمر بها البلاد تحتاج إلى إجراءات استثنائية حقيقية. وإذا كان كبير الاقتصاديين في البلد يقول إنه بعد شهر أغسطس سيحدث ركود كامل للاقتصاد لا مخرج منه، ويقول آخر إن الدولار سيصل سعره إلى عشرة جنيهات، والأمر حينها يحتاج إلى تلك الإجراءات الاستثنائية التي أشرنا إليه من قبل ونتحدث عنها الآن بصورة أخرى: { إن الأمر يحتاج إلى قفل الدولة تماماً وكل الأعمال الخارجية تقوم بها البعثات الدبلوماسية. { حل جميع المؤسسات البرلمانية أو ذهابهم في إجازات بدون مرتب لعام من الآن بتضحية مرضية ينزلون فيها إلى قواعدهم لقيادتها رفعاً للإنتاج وحلاً للمشكلات. { حل الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات، ويقوم الولاة مع التكنقراط في مؤسساتهم ووزاراتهم بإدارة شؤون الولاية بأهداف محددة يكون الانتاج على رأسها. { تسريح الحكومة الاتحادية ولجانها وهيئاتها وإداراتها وإخضاعها لجراحة دقيقة يتم بعدها تشكيل حكومة طوارئ لا يزيد عدد وزرائها عن خمسة عشر وزيراً تحدد مهامهم والأهداف المطلوب تحقيقها خلال عام واحد، وتكون تلك الوزارات تحت رقابة دائمة ومحاسبة مستمرة. ولا بد أن تكون جميع الأحزاب المشاركة في الحكومة المسرحة على رضاء وموافقة تامة بإجراءات الطوارئ المتخذة. { لا نقول أن تكون حكومة طوارئ عسكرية، ولكن نريدها أن تكون في انضباط عسكري على شاكلة انضباط حكومة الفريق عبود. { عام واحد أخي الرئيس تضبط فيه الأمور ويضبط فيه الصرف، ويضبط فيه أداء الخدمة العامة. { عام واحد أخي الرئيس تذهب فيه الأحزاب كل الأحزاب دون فرز بالعدل ودون محاباة إلى إعداد أحزابهم لانتخابات تتم بعد نهاية العام المقترح، ويستلم الفائز فيها دولة نظيفة من كل فساد بيضاء من غير سوء، وميزان الاقتصاد فيها متوزان.. لتبدأ انطلاقتها من جديد تحت رقابة شعبية من خلال برلمان أعضاؤه جاءوا من غير تزوير «والله من وراء القصد». { تابعت حديث شيخ علي النائب الأول أمام البرلمان وهو يتناول في حديثه مظاهر البذخ والصرف التفاخري الذي أصبح ثقافة اجتماعية منتشرة بين الناس الأغنياء منهم والدستوريين، حتى أصبح البعض يصرف كمن لا يخشى الفقر. وفي ذلك أصاب سيادته، ولا شك أنه رأى بعينه ما يحدث، وهو رجل يجامل الناس في أفراحهم وأتراحهم. ونقول لسيادته إن أكثر الناس تفاخراً وبذخاً هم أهل السلطة والحكم، وأكثر الناس تظاهراً في ذلك من يسخِّر منهم إمكانات الدولة العينية والمادية لخدمة مناسباته. ونرى ذلك الصرف البذخي في دواوين الحكومة وفي المناسبات الرسمية. إنهم لا يخشون الفقر لأنهم يصرفون من مال ليس مالهم. ونقول لسيادته عندما قامت الإنقاذ كنا نرى أعضاء المجلس العسكري في القيادة العامة يجتمعون حول قصعة أديمها فول مصلح من ود العباس، وكذلك نحسب أهل الجهاز التنفيذي. ولكن اليوم نرى الدستوريين يجتمعون حول صناديق فاخرة من «أمواج» وأمامهم سلة من أفخر الفواكه المستوردة وثلاجة مليئة بالمشروبات الغازية، وأثاث فاخر مستورد، ومزهريات وزهور. كنا نرى أخي شيخ علي عربة القائد أو المسؤول يصرف لها جالون واحد من البنزين، واليوم نرى «تنوكة» عربات الدستوريين مليئة ومتى ما يصرف منها تملأ، حتى رأى الصحافي في يوم حديث وزير المالية أمام البرلمان وحديث سيادتك، رأى جموع عربات الدستورين تملأ ساحة البرلمان الخارجية «مدورة» وبداخلها السائق تحت التكييف في انتظار عودة المسؤول الدستوري العظيم، والوزير يسأل الناس تقشفاً!! { كنا في وقت مضى للواحد منا أوقية من السكر تصرف في اليوم، حتى أصبح الناس يشربون القهوة بتمرات من نخيل، وعندما اعتاد الناس على ذلك جاء السكر التجاري، وكان الهدف منه توفير المال لتغطية منصرفات الحكومة ونثريات أهل السلطة، وأصبح بعد ذلك لدى كل دستوري ومسؤول كمية من جوالات السكر في مخزنه. أخي شيخ علي وأنت في موقع مسؤولية جسيمة وفي منصب أنت أهل له، علموا المسؤولين والدستوريين في دواوين الحكم والسلطة أن يرشدوا الصرف في مال الشعب، وأن يتركوا التفاخر والبذخ، وأن يتقوا الله في هذا الشعب الصابر، وأن تكون هي لله لا للقصور ولا للجاه ولا للحكم، وأن يفرغوا ما في القصور، وأن يعيدوا ما خرج من مال لداخل الوطن. وأن يكونوا قدوةً للناس ومثالاً يُحتذى.