لاحظت لكم أن قلة من المأذونين شديدي الكلف بالإسهاب والاسترسال في خطبة طويلة قبل العقد وبعضهم يتحدث في مواضيع واهية الصلة بالمناسبة، مثل شهادة الزور والإيدز والتبرج بل إن أحدهم أراد أن يدلل على فائدة الزواج من صغار الفتيات فاستشهد بأبيات لأحد شعراء العصر العباسي: مطيات السرور فويق عشر * إلى العشرين ثم قف المطايا فإن جزت المسير فسر قليلاً * وبنت الأربعين من الرزايا الورطة كانت في أن العروسة موضوع العقد قد قذفت وراءها اثنين وأربعين عاماً وخاضت في ضحضاح الثالثة والأربعين ويمكنك أن تتخيل نوع الحرج الذي مس أهل البنت، وكذلك أهل العريس. الخطب المستحبة في هذا المقام هي الموجزة القصيرة وليس هناك خطبة أقصر وأبلغ من خطبة أبي طالب في تزويجه للرسول عليه الصلاة والسلام من خديجة بنت خويلد. النقطة الثانية هي أن كثيرًا من المأذونين يقولون الحديث الشريف « تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس» العرق المقصود هنا ليس عرق اللون أو الحسب و الجاه إنما المقصود هو العرق السلوكي حيث وضح للحكماء والفلاسفة والأطباء أن الصفات مثل الغباء والشذوذ والزندقة والإجرام تورث كما تورث أيضاً الصفات الإيجابية وعليه تكون معرفة الخطيبين لبعضهما البعض غير كافية إطلاقاً بل يجب الإلمام بحالة بقية أفراد الأسرتين.. النقطة الثالثة، هي أن الجموع التي اكتظ بها المسجد تكون في حالة تأهب قصوى فما أن تصفق الأيدي معلنة انتهاء سورة الفاتحة ونهاية المراسم حتى يندفع الناس جهة المحراب حيث يستجير والد العروس فينقض عليه رجل ضخم فيضغطه حتى تقف رئتاه ثم يقذف به إلى آخر يفعل به ذات الفعلة وأثناء ذلك يأتي أحدهم من خلف والد العروسة ويضربه على كتفه حتى تنفرط عمامته ويتدلى منها متران على البساط وينكسر القائم الأيسر لنظارته ويعتريه الوهن فيبدأ بالهذيان، الله يبارك فيك، عقبال عندكم، أشكركم جدًا وقد بلغ حدًا من الإعياء حتى أوشك أن يقول للناس « يحرق أبو اليوم الجابني ليكم». حكى لي صديق أنه شاهد والد عريس خارجاً من المسجد يترنح وهو يلهث ويصيح يا جماعة بخاخ.. خاخ... سريييييع.. أيُّها الناس، ألا توجد طريقة أسهل وأطيب من هذه لإيصال التهاني دون تسبيب الأذى الجسيم لصاحب المناسبة؟؟ ألا يمكن أن يقف والد العروس مثلاً في أحد أركان المسجد ثم يمر عليه الناس مهنئين بأكفهم فقط بدلا من الاندفاع والتلاطم عليه وكأنه الحجر الأسود؟؟؟أنا شخصياً عند زواج أي من أبنائي سوف أدخل في العربة وأؤمن جميع الأبواب وأفتح من أحد النوافذ مقدار شبر من الزجاج يسمح فقط بدخول الأيدي وأنتو ذاتكم حقو تعملو كدا.