في بدايات العام المنصرم جمعت كل ما أملك من شهادات كانت محصلة سنوات دراسية استمرت زهاء خمسة عشر عامًا من أساس وثانوي وشهادة من جامعة مرموقة لعلها تحقق أحلامًا تكورت في رحم الغيب سنوات طويلة، واتجهت صوب مكاتب التوظيف وأحلامي تسابق خطاي ولم أضع في ذهني أن هنالك إشكالية يمكن أن تحُول بيني وبين الوظيفة، وعندما وصلت إلى المكان وأنا محمل بكل هذه الشهادات زائدًا كفاءة عالية من المفترض أن تجعلني من الموظفين أصحاب السيارات الفارهة والمكاتب الأنيقة غير أني فوجئت بأعداد هائلة من الخريجين ينتظرون وبشفق تلك الحظة التي تنقلهم من جحيم العطالة إلى نعيم الوظيفة، جلست في ركن ناءٍ أتأمل هذا العدد الكبير من الطاقات غير المستغل حتى حان دوري في الدخول للمعاينة: السلام وعليكم وانهالت عليّ الأسئلة جاوبت عن معظمها غير تلك التي تقول من يزكيك ؟ فكانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير وختموها بعبارة شهاداتك ناقصة كمِّل الخدمة، عدت إلى المنزل وأنا أجرجر أذيال اليأس، وفي صبيحة اليوم التالي ساقتني قدماي صوب المنسقية العامة للخدمة الوطنية وأنا أردد أبيات الشاعر إيليا ابوالماضي: جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت، وأبصرت قدماي طريقًا فمشيت.. وساظل سائرًا إن شئت هذا أم أبيت مكتب المنسقية لوحة جمالية خضراء تزينها لوحة شرف الشهداء يتكون من مكتبين: مكتب المنسق الأستاذ «عوض» وفيه تتم الاجتماعات، ومكتب آخر لبقية الأقسام، ما يميز المكتب الأخير أن العاملين فيه خريجون من أبناء المنطقة مشبعون بقيم وأخلاق «أولاد البلد» لم تكن لديّ سابق معرفة بالمنسق رغم أنه يقطن في الحي المجاور لنا، عرَّفته بنفسي وقدَّمت إليه شهاداتي، وعدني بإجراء اللازم ولكن طال الانتظار، سلكتُ طريقًا آخر «الواسطة» لعلّي أجد فيه ضالتي، وبحثت في جرابي وأخرجت ما فيه من المعارف غير أنها أمطرت مزيدًا من الوعود فتوقف قطاري في هذه المحطة «الخدمة الوطنية» إلى متى تعمل مؤسساتنا حكومية كانت أم خاصة بالمحسوبية؟! هذه المشكلة المسكوت عنها التي انتشرت انتشار النار في الهشيم يجب أن نسلِّط الضوء على هذه الظاهرة وجرها من الظلام إلى النور ووضع النقاط فوق الحروف حتى نطهر مجتمعنا من دنسها. القضارف الشواك علي حسين الحاج