ودَعت البلاد يوم الثلاثاء 62/ يونيو 2012م رئيس القضاء الأسبق مولانا خلف الله الرشيد، أحد رموز السودان القانونية. حيث شيِّع فقيد السودان إلى مثواه الأخير في موكب مهيب شاركت فيه قيادات الدولة وقيادات الأحزاب. ووري الجثمان الطاهر مساء الثلاثاء الماضي في مقابر (برِّي). رئيس القضاء مولانا خلف الله الرشيد أحد نجوم الحركة الإسلامية القانونيين. تضم مجرّة الإسلاميين القانونيين الرشيد الطاهر بكر (رئيس الوزراء، وزير الخارجيّة، رئيس إتحاد جامعة الخرطوم)، ميرغني النصري (نقيب المحامين، عضو مجلس رأس الدولة)، حسن الترابي (المفكر الإسلامي، زعيم الحركة الإسلامية، عميد كلية القانون جامعة الخرطوم، النائب العام، مستشار رئيس الجمهورية، رئيس البرلمان)، عثمان خالد مضوي (القاضي، المستشار القانوني، المحامي، أحد أبرز قيادات المعارضة السياسية الوطنية في السبعينات). محمد يوسف محمد (رئيس البرلمان، المحامي). ربيع حسن أحمد (السفير، المحامي، مدير شركة التأمين الإسلامية، رئيس إتحاد طلاب جامعة الخرطوم)، حافظ الشيخ الزاكي (رئيس القضاء، وزير العدل، عميد كلية القانون، المحامي، رئيس اتحاد طلاب جامعة الخرطوم)، أحمد إبرهيم الطاهر (رئيس البرلمان، المحامي، الأديب الشاعر)، دفع الله الحاج يوسف (رئيس القضاء، وزير التربية والتعليم، المحامي، الشاعر، الأديب، رئيس مجلس شورى الحركة الإسلامية). علي عثمان محمد طه (القاضي، المحامي، النائب الأول لرئيس الجمهورية، رئيس اتحاد طلاب جامعة الخرطوم)، فتحي خليل (نقيب المحامين، والي الولاية الشمالية). وغيرهم من نجوم الحركة الإسلامية القانونيين الذين نشطوا في الساحة السياسية. إلتحق رئيس القضاء مولانا خلف الله الرشيد بالحركة الإسلامية منذ أن كان طالباً بمدرسة (حنتوب) الثانويّة، واستمرت علاقته بالحركة الإسلامية وهو طالب بالجامعة، وإلى ما قبل رحيله. إسمه بالكامل (خلف الله الرشيد محمد أحمد)، من مواليد (مقاشي مركز مروي). ولِد عام 0391م. درس مرحلة الأساس بمدينة ودمدني، درس المرحلة الثانوية بمدرسة (حنتوب) الثانوية، ثم جامعة الخرطوم كلية القانون، ثم نال دراسات عليا، حيث حاز درجة الماجستير من جامعة كامبردج. عمل بالقضاء عام 5591م واستقال عام 6591م ليشتغل بالمحاماة، ثم عاد إلى ممارسة القضاء، فكان القاضي المقيم بالقضارف ثم شندي، بعدها التحق بديوان النائب العام مستشاراً قانونياً، ثمّ أصبح المحامي العام. تمّ تعيينه عام 2791م رئيساً للمحكمة العليا ثم رئيساً للقضاء. شغل خلف الله الرشيد منصب رئيس القضاء فترة عشر سنوات وأربعة أشهر. من زملاء مولانا خلف الله الرشيد في الدراسة دفع الله الرضي وحسن الترابي وأحمد أمين صالح وميرغني النصري وكمال الدين عباس ومنصور خالد. في وجهه الآخر، لم يمنع وقار القضاء مولانا خلف الله الرشيد من تذوق أغاني حقيبة الفن أو الإستماع في هدوء إلى أحمد المصطفى وعبد العزيز محمد داؤود وعبد الكريم الكابلي. وقار القضاء كذلك لم يمنعه من التعصب للفنان عثمان حسين. يشار إلى أن (مقاشي) التي أنجبت خلف الله الرشيد، قد أنجبت الفنان الفذ عثمان حسين. الصحفي الراحل الشهيد محمد طه محمد أحمد يمُتّ بصلة القرابة إلى خلف الله الرشيد. تزوَّج رئيس القضاء مولانا خلف الله الرشيد إبنة خاله أحمد خير مؤسس مؤتمر الخريجين ووزير الخارجية الأسبق. خلف الله الرشيد محبّ الأدب والقانون والقارئ المتمعِّن، من الإسلاميين الذين مزجوا في حكمة بين قيم الإسلام والحياة الحديثة. إلى جانب حبّ الفن الرصين وإيقاع (التم تم) الشعبي، كان من هوايات خلف الله الرشيد كرة التنس والسباحة وتشجيع (الهلال). كما عرِف مولانا رئيس القضاء خلف الله الرشيد بالذوق العالي في اختيار القمصان والكرافتات. كما عرَف خلف الله الرشيد مدن السودان طولاً وعرضاً، زار أيضاً عشرات الدول. خلف الله الرشيد كان أحد الإسلاميين الذين تسنَّموا مناصب رفيعة في عهد الرئيس جعفر نميري. تلك المنظومة من الإسلاميين تتضمن على سبيل المثال المشير سوار الذهب والفريق بشير محمد علي (وزير الدفاع) والدكتور جعفر محمد علي بخيت ومولانا دفع الله الحاج يوسف والرشيد الطاهر بكر وسعد بحر (قائد سلاح المدرعات). كان سعد بحر عضو في أول خلية إسلاميِّة (أسرة) بأمدرمان. كان معه في تلك الخليَّة (الأسرة) كل من (إمام علي الشيخ) (الشاعر) وعلي أحمد النصري (المحامي). سعد بحر خال وزير شئون مجلس الوزراء الوزير أحمد سعد عمر (أحمد سعد كان من كوادر الحركة الإسلامية قبل انضمامه إلى الحزب الإتحادي الديمقراطي). رصانة رئيس القضاء مولانا خلف الله الرشيد تخفي تحت عدلها وحنكتها ورأيها السَّديد، خفة ظل وحب للدعابة. خلف الله الرشيد رمز سوداني تمتع بمعرفة واسعة عميقة بالسُودان، كما تمتع بتجربة وطنية ثرَّة وعقل راجح. ألا رحمة الله الواسعة عليه.