من رموز الإسلاميين... ميرغني النّصري عرف السودان ميرغني النّصري نقيباً للمحامين، وعضواً بمجلس رأس الدولة في أعقاب انتفاضة أبريل 1985م. كان ميرغني النصري أحد ثلاثة أسماء مرشحة لرئاسة الوزارة في أول حكومة بعد سقوط الرئيس نميري. حيث تمَّ ترشيح الأستاذ ميرغني النّصري (إسلامي) والدكتور الجزولي دفع الله (إسلامي) والأستاذ إبراهيم رضوان (اتحادي). وقد اختار المجلس العسكري الإنتقالي الدكتور الجزولي دفع الله رئيساً للوزراء. ولِد ميرغني النّصري في مدينة رفاعة، التى بدأ تعليمه بها ثم انتقل إلى مدرسة (حنتوب) الثانوية ثم جامعة الخرطوم كلية القانون. خلال تعليمه كان يحب اللغات بصفة خاصة. فقد تميَّز في العربية والإنجليزية. من من مشاهير زملاء دراسته مولانا بابكر عوض الله نائب رئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب ورئيس القضاء ووزير الخارجية، ومن زملاءه دراسته أيضاً السياسي الشهير الدرديري أحمد اسماعيل والدكتور عقيل أحمد عقيل (نقيب المحامين). في حنتوب الثانوية انتمي ميرغني النّصري إلى الحركة الإسلامية، وكان من زملائه فيها في حنتوب المفكر والسياسي بابكر كرار والدكتور يوسف حسن سعيد المحاضر الجامعي والخبير الزراعي و(محمد علي) المعلِّم الذي استشهد في أحداث الجنوب عام 1955م والطيب صالح الروائي العالمي. يقول ميرغني النّصري(على أيدي هؤلاء قامت الحركة الإسلامية في جامعة الخرطوم). إنتمي ميرغني النّصري في حنتوب الثانوية إلى الحركة الإسلامية عن طريق محمد يوسف محمد (المحامي. رئيس البرلمان). وذلك عندما أرسل إليه محمد يوسف محمد مذكرة تشرح طبيعة الحركة الإسلامية ودستورها، كما أرفق محمد يوسف مع المذكرة كتابين هما (حياة محمد) للكاتب الدكتور محمد حسين هيكل وكتاب عن الإشتراكية في الإسلام. وبموجب ذلك تمّ العمل على تأسيس الحركة الإسلامية في حنتوب الثانوية. عندما دخل ميرغني النّصري جامعة الخرطوم وجد مجموعة من الإخوان الناشطين في الحركة الإسلامية، وكانت تسمَّى (حركة التحرير الإسلامي). ومن بين تلك المجموعة الناشطة من الطلاب (الإخوان) كان الطالب الرشيد الطاهر(نائب رئيس الجمهورية. وزير العدل. وزير الخارجية. نائب رئيس الوزراء). وقد تمّ انتخاب الرشيد الطاهر أول رئيس لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم. كانت تلك بداية انطلاق الإسلاميين في جامعة الخرطوم وتصاعدهم وانتشارهم وقيادتهم الحركة الطلابيَّة السودانية. حيث ظلت الحركة الإسلامية منذ منتصف الخمسينات ولأكثر من نصف قرن تفوز بانتخابات إتحاد طلاب جامعة الخرطوم. من بعد الرشيد الطاهر(أول رئيس لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم) فازت الحركة الإسلامية برئاسة الإتحاد في الدورات اللاحقة، عبر أكثر من خمسين عاماً، فكان من رؤساء اتحاد طلاب جامعة الخرطوم الراحل حسن عباس عجبنا (السفير)، جعفر شيخ ادريس (الدكتور)، الراحل حافظ الشيخ الزاكي (وزير العدل، رئيس القضاء) ربيع حسن أحمد (السفير)، على عثمان محمد طه (نائب رئيس الجمهورية)، الراحل أحمد عثمان مكي (القائد الطلابي البارز)، بشير آدم رحمة (الدكتور)، الراحل داؤود يحى بولادي، التجاني عبد القادر (الدكتور)، المعتصم عبد الرحيم (وكيل وزارة التربية والتعليم)، أمين بناني (وزير الدولة بوزارة العدل)، وغيرهم من كفاءات الإسلاميين. ويلاحظ أن عدداً من رؤساء إتحاد طلاب جامعة الخرطوم الإسلاميين وعدداً من رؤساء اتحادات الطلاب من الإسلاميين في جامعة أم درمان الإسلامية وجامعة النيلين قد تمّ حجبهم من تولِّي أي مناصب قيادية منذ يونيو 1989م ولم يتم الإفادة من قدراتهم القيادية حيث أصبح أغلبهم كأنهم من المحظورين رغم شعبيتهم ومكانتهم العالية في أوساط أجيالهم. كان ميرغني النّصري إلى جانب عقله القانوني الراجح، يتمتع بروح مرحة وشخصية لطيفة. فكان يذكر أن خلال حياته الطلابية لم يكن له علاقة بالرياضة، ولكن كان يتمّ ضمّه إلى فريق المدرسة لإخافة اللاعبين من الخصوم نظراً لخشونته في اللعب. كما ذكر ذات مرة عن عدم وجود علاقة مميَّزة تربطه بالغناء. وفي إحدى المرات من باب المزاح في مدرسة حنتوب أرسل أحد زملائه رسالة باسمه إلى برنامج (ما يطلبه المستمعون) يطلب أغنية (القطار المرّ) للفنان عثمان الشفيع. فأصبحت تلك الدعابة (موضوعاً) في أوساط الطلاب بحنتوب. ذلك بينما لم يكن هناك (فنان مفضَّل) لميرغني النّصري، سواءً عثمان الشفيع أو غيره. أما من الإسلاميين الذين يستمعون إلى أغاني عثمان الشفيع فهناك الأستاذ عثمان خالد مضويّ المحامي والذي من ضمن مواهبه كتابة الشعر. فقد كتب عثمان خالد مضوي شعراً جميلاً لم ينشره. وأيضاً هناك الدكتور قطبي المهدي فهو من المعجبين بالفنان عثمان الشفيع. ميرغني النصري شخصية وطنية محترمة من الطراز الأوّل. حياة ميرغني النّصري النقيّة الحافلة، عامرة بالمواقف السياسية الرصينة والتفاصيل الغنية، غير أنه رحل عن الحياة ولم يسجِّلها في مذكرات. ألا رحمة الله عليه في الخالدين. القصة الثانية: حلاوة (لبان)...(ماربيلا) و(شكلت) تبلغ حلاوة (لبان) من العمر (84) عاماً. فقد أنتِجت حلاوة (لبان) لأول مرَّة عام 1928م على يد الأمريكي (وولتر دييمر)، وكان يشغل وظيفة مدير حسابات في مدينة فيلادلفيا (ولاية بنسلفانيا). ثم باع (دييمر) اختراعه لشركة (بلير جيم)، بعد أن أطلق عليه اسم (دبل بابيل). إلا أن الشركة غيَّرت الإسم إلى (بابيل جيم)، وبدأت في بيعه عام 1937م. ومنذ ذلك الحين تمَّ تدشين عدد كبير من المصانع في مختلف أنحاء العالم تخصّصت في صنع اللبان. ولم يبق منزل في العالم إلا ودخلته حلاوة (لبان). ولم يبق طفل أو كبير في العالم إلا وأكل حلاوة (لبان). هناك الكثير الذي يمكن أن يقوله الكثيرون عن حلاوة (لبان). غير أن أطباء الأسنان لهم حديث آخر عن حلاوة (لبان). فقد كان لها تأثير كبير على طب الأسنان. كما ظلت حلاوة (لبان) بدورها تثير جدلاً في مجال الأخلاق. حيث يُعتبر مضغها في مناسبات كثيرة سلوكاً لا يليق. قبل حلاوة (لبان) كان السودان يعرف ما يُسمَّى ب (لبان لادي) الذي تبيعه محلات العطارة. وهناك (لبان البخور)، ومنه جاء اسم (لُبْنَى) وهي نوع من الصَّمغ طيب الرائحة، كما جاء في (رسالة الغفران) لأبي العلاء المعري. من ماركات حلاوة (لبان) التي تباع اليوم في الدكاكين السودانية (ماربيلا)، (شكلت)، (النخلة) و(باطوك). وقبلها عرفت الدكاكين لبان (بازوكا)، وغيرها. وتكتمل سعادة الأطفال عندما ينفخون بالوناً كبيراً من حلاوة (لبان). ولكن الويل لهم في المنزل إذا ما لصق اللبان بالملابس حيث تنتظرهم العقوبة. كما تنتظرهم العقوبات في المدارس حيث مضغ اللّبان محظور، حيث يرى بعض المعلمين مضغه (قلة أدب). القصة الثالثة: الفنان إبراهيم عوض... هيَّجتني الذكري هكذا تحدث حبيب الملايين الفنان إبراهيم عوض 1932م - 2006م ... إسمي بالكامل إبراهيم عوض عبدالمجيد سليمان، من مواليد أمدرمان حي العرب. كنت أعمل صناعياً حدًّاداً. وأجيد صناعة الأبواب وتزيينها. كنت أهوى الملاكمة والمصارعة وكرة القدم. أبدأ يومي بصلاة الفجر ثم قراءة القرآن. دائماً إذا كانت لدي حفلة أبدأ بصلاة العشاء وأؤخر الشفع والوتر. وبعد الإنتهاء من الحفل أختم يومي بصلاة الشفع والوتر وقراءة جزء من القرآن مع تلاوة الأوراد... كل لحظة أشعر أنها تسعِد من حولي تعتبر لي يوم فرح. زرت عدداً من الدول ومنها في ذاكرتي الصين حيث التقيت بالزعيم ماوتسي تونج. وقدمت أغنية باللغة الصينية ترمز لعلاقات البلدين ومازلت أحفظ تلك الأغنية. رصيدي الفني يفوق ال (250) أغنية، وربما ثلاثمائة. تحدث إبراهيم عوض بتواضعه الأصيل الذي اشتهر به بذلك قبيل رحيله. ذكر إبراهيم عن طفولته إن سريره كان إلي جانب سرير جدًّته (حبوبته) العطوفة التي تغمره بحنانها، وعند إطفا النور تتلمَّسه بيدها للتأكد من وجوده وتطمئن أنه بخير. من تلك الغرفة التي تفيض حناناً.. تشكَّلت مشاعر إبراهيم الإنسانية... وإليها يعود سٍرّ ابتسامته الودودة نحو الذين يعرفهم ولايعرفهم. بدأت نجاحات إبراهيم عوض الساحقة علي يد عبقري الفن وصانع النجوم عبدالرحمن الريح، الذي صنع (13) فناناً. كانت البداية (هيَّجتني الذكري)... التي لاتزال منذ عام 1953م تثير شجناً عميقاً في القلوب.. ثم كانت متوالية الروائع فجلس (إبراهيم) على عرش الغناء. ثم جاء المبدع الطاهر إبراهيم في هدوء، كأنما يحمل قدميه علي كفيه، ليضع أجنحة من نور علي العرش ليطير (إبراهيم) سفيراً إلي النجوم. كان صوت إبراهيم الصدّاح يرسم بالأغنيات لوحات من الخلود... عزيز دنياي... لو بعدي برضيه... ياخائن... حنين... ياجمال دنيانا... قاصدني ما مخلّيني... فارقيه دربي... ملاذ أفكارنا... وغيرها. وتنقًّل (إبراهيم) في حديقة الشعر الجميل... وغنًّى... ألم الفراق... ليه بتسأل... المصير... سلوي... و... غاية الآمال... حيث نثر علي الملأ أزاهيراً وعطراً... نثر أجمل صفات المرأة السودانية... الوداعة والرزانة... والعفاف الفطري... والجمال... لأن المرأة السودانية... بغير جدال... تمتلك حصريَّاً دون نساء العالم، منظومة تلك الصفات الرائعة... في ذلك البهاء الأنيق وتلك الهالات الشفيفة... كان تتجلّي المرأة السودانية في أغنيات إبراهيم عوض... حبيبة رقيقة... وخطيبة... وزوجة رفيقة عُمر وشقيقة... حنينة... وفيّة... وريحانة أغلي من العمر القصير. تميًّز (إبراهيم) عوض بالصدق الأصيل في الفن والحياة .. ذلك ما جعله يتبوًّأ مكاناً فسيحاً عميقاً في قلوب ملايين السودانيين... قبل أن يغادر إلي مضجعه الأخير في مقابر البكري بأمدرمان.