{ لو أن الهواتف سكتت الأيام الأربعة الماضية لتبدل تاريخ السودان { والخميس الثانية والنصف صباحاً كانت الأستاذة سناء حمد «وزير الدولة للإعلام» تتلقى هاتفاً من الكرمك { والخميس الرابعة صباحاً كانت مريم الصادق تتلقى هاتفاً من عقار يحدثها فيه عن هجوم الجيش على مواقعه { وهذه ترسل الرسالة ذاتها إلى ألف موبايل. { والأستاذة سناء تبحث عمن توقظه ليسمع { وحين تعجز الأستاذة سناء توقظ مسؤول الطلاب في الدمازين.. وتظل تتلقى الأحداث. { والدولة النائمة كانت نائمة لأنها كانت تعرف تماماً ما سوف يحدث. { معرفة تجعلها تعد «الرد» المناسب.. ومنذ عشرين ساعة { كانت دوائر معينة في الخرطوم قد أكملت الإعداد العسكري والقانوني والدستوري والمالي.. و.. { وكانت قد أكملت وضع مراسيم إعلان حالة الطوارئ { وإقالة مالك «اقار إير» { وهذا اسمه الحقيقي فالسيد عقار ينحدر من أب من الشلك وأم من الأنقسنا. { وأقار معناها كدروك بلغة الأنقسنا .. وإير معناها خروف { وبعض ما أعدته الدولة مع وليمة الكرمك كان هو : إعلان قطاع الشمال حزباً ضد الدولة وغير دستوري. { والأمر يصدر بإغلاق دُوره في السودان كلها.. واعتقال قادته { والحزب هذا يجعل الدولة تقوم الآن بإعداد قانون «الخيانة العظمى» الذي لم يكن موجوداً من قبل. { و«مذاق» القرارات هذه كان يجعل الشاب الذي يقوم بطباعتها يسكب ديباجة القرار بحروف متوسطة «عملاً بأحكام المادة 210/1 من دستور السودان لسنة 2005.. { ثم إعلان حالة الطوارئ { ثم «استناداً إلى المرسوم الجمهوري رقم «24» و.. و { ثم بهذا «يعفى السيد مالك عقار من منصبه والياً.. هكذا ينطلق قرار إعفاء مالك عقار. { والشاب الذي يطبع القرارات يميز سطر الإقالة بحروف سوداء كثيفة كأنها تجعل الملف أثقل وزنا.. والإعداد لعملية الدمازين يمتد { والإعداد كان يمتد إلى أماكن أخرى { والإعداد يجد أن بعض من ينتسبون إلى المؤتمر الوطني في شرق السودان يعملون بالتعاون الوثيق مع أفورقي. { ومعسكرات هناك وأسلحة و.. { ولما كان السيد كدروك يقوم بتخريج دفعة جديدة من الجيش الشعبي في الدمازين كان أفورقي يقوم بتخريج دفعة من جيش السيد «م» أحد قادة الوطني في شرق السودان في معسكرات المعارضة السودانية بإريتريا. { و.. { والإعداد يصبح له مظهر آخر وأوراق المحادثات التي تُعقد «هذا الصباح» مع السيد عبدالشافي ممثل سيسي بعد مفاوضات الدوحة .. أوراق اليوم سوف تبدأ بتوجيه سؤال محدد للسيد عبد الشافي. ومندوب الدولة سوف يسأل السيد عبدالشافي ليقول : السيد عبدالشافي سبق أن أعلنتم أنكم ضابط برتبة كبيرة في جيش الحركة الشعبية ..ودون إن تتكرموا الآن «بإعلان» مماثل ينفي هذا فإن الدولة سوف يتعين عليها آسفة الامتناع عن هذه المحادثات فالدولة لا تستطيع أن تحادث رجلاً ينتمي الى دولة أخرى وهو يسعى ليشغل جزءاً أساسياً من حكومة السودان. { والهاتف ينقل المشهد المتسع إلى واشنطن.. وإلى ليمان المندوب الأمريكي للسودان. { والسيد ليمان يسمع محدثه ينصحه بعدم النطق بكلمة «وساطة» أو «محادثات» الكلمات التي أصبحت لا تطاق الآن في الخرطوم { ويحدثه عن كيف أن الوطني يعتقل الآن بعض قادته في الدمازين ويوجه لهم تهمة الخيانة. { وليمان وبدلاً من الهبوط في الخرطوم يهبط في القاهرة يبحث عن «واسطة» يقوم بها أصدقاء الخرطوم { لكن هواتف أحزاب الخرطوم البلهاء كانت تتحدث منذ صباح السبت عن «محادثات جديدة»!! { والخرطوم التي تقرأ كتاب السنوات الماضية تقول وساطة تعني محادثات ومحادثات تعني المستنقع ذاته الذي أفلتت منه الخرطوم وتعني الوجوه ذاتها والكلمات ذاتها والغدر بعد الغدر.. { والأيام ذاتها .. أيام الأسبوع هذا.. كانت الهواتف تحدث عما وصلت إليه أحداث الدمازين. { بعضها يحدث عن كيف أن : جيمس هوث قائد جيش سلفا كير كان يرسل أربعًا وثلاثين دبابة متجهة إلى جنوب النيل. { لكنها لا تصل «لسبب لا يمكن ذكره هنا» { والشلك يقطعون الطريق على جيوش سلفا في أعالي النيل { وجيش الحركة الشعبية الذي يتجه إلى جونقلي للاشتباك مع أطور ينتهي بمعركة عنيفة بين صفوفه { النوير والمورلي من جهة والدينكا من جهة. { .. والأمر يبلغ درجة تجعل سلفا كير يعلن نقل العاصمة من جوبا إلى رامشيل { فالاستوائية جوبا وغيرها منطقة تصبح الآن قدراً يغلي وأهلها المورلي وغيرهم يطلبون من الدينكا الرحيل «وأن يحملوا معهم قبر قرنق» { وهكذا يبقى السيد «أقار» يتلفت { والأحزاب تتلفت { وطبقات البصلة في دولة الإنقاذ كلما نُزعت منها قشرة جاءت قشرة أخرى. { وكل سطر هنا تتبعه أحداث وأحداث لكن الليل يقترب من آخره.. وخلاص