وضعت الاشتباكات التي اندلعت في النيل الأزرق الجمعة الماضية السودان على صفيح ساخن وهي تدق ناقوس الخطر من أن ينزلق السودان إلى مستنقع الحرب ضد المتمردين بعد أن امتد طوق التمرد من الحدود الغربية مع تشاد وحتى الحدود الشرقية لإثيوبيا الأمر الذي يقود إلى مزيد من التوتر في بؤر الصراع الملتهبة أصلاً.. ويقول تقرير نشرته صحيفة التايمز البريطانية تحت عنوان «اندلاع الصراع في السودان هل هو نذير حرب أهلية شاملة» يبدو أن الغيوم العاصفة كانت تتراكم منذ أشهر قبل أن تهطل أمطارًا مدمرة على النيل الأزرق فخلال الحرب الأهلية التي استمرت عقودًا من الزمان حارب متمردو النيل الأزرق باعتبارهم جزءًا من متمردي جنوب السودان إلا أن قادة الحركة الشعبية فاوضوا من أجل الانفصال بوطنهم مضحين بموافقة حلفائهم في النيل الأزرق وجبال النوبة الذين لم يجنوا من اتفاقية السلام الشامل سوى الحطام، وفي اليوم الأول للقتال نجح الجيش السوداني في السيطرة على عاصمة الولاية الدمازين في غضون ساعات قليلة بعد أن تواترت الأنباء أن سلاح الجو السوداني قد قام بتفجير مواقع الحركة في المدن التي كانت تسيطر عليها بينما فر مالك عقار حاكم الولاية ورئيس حزب الحركة الشعبية في الشمال إلى التخوم الجنوبية للولاية في محاولة منه لحشد قواته التي لا تزال مدججة بالسلاح منذ أيام انضمامها للحركة الشعبية بجنوب السودان وعندما اندلع القتال في ولاية جنوب كردفان تساءل الشارع السوداني هل ستكون النيل الأزرق الجبهة القادمة وهو السؤال الذي حاول مالك عقار الإجابة عنه قبل شهر بجوبا من خلال دبلوماسية منهكة هد جسدها العليل التوازنات الصعبة بين الحرب ودبلوماسية عقيمة تهدف للتفاوض من أجل وقف إطلاق النار مع نائبه عبد العزيز الحلو الذي يقود الحرب في جنوب كردفان وبالرغم من عدم وضوح الروية تمامًا بشأن بداية الأحداث بولاية النيل الأزرق غير أن الأكثر وضحًا أن كلاً من الحركة الشعبية بالنيل الأزرق والحكومة السودانية قد أعدَّتا لهذا السيناريو منذ أسابيع طويلة بحشد قوات تبدو متكافئة عدة وعتادًا ويقول دبلوماسي سوداني رفض الكشف عن هويته ليس مهمًا من بدأ الصراع في النيل الأزرق لأنه كان على وشك أن ينفجر بأي حال وذلك أنه طوال الأعوام الستة التي تلت اتفاقية السلام الشامل بقيت قوات التمرد السابقة بكل من النيل الأزرق وجبال النوبة تحت إمرة الجيش الشعبي لتحرير السودان الذي يدفع رواتبهم وتكاليف المعدات التى يستخدمونها وفي وقت يدّعي فيه جنوب السودان قطع الدعم عن القوات المتمردة التي تحارب الحكومة السودانية يبدو واضحًا عدم مصداقيتها، ويقول حكمت فؤاد الخبير السياسي بمجموعة الأزمات الدولية إنه في حال اندلعت حرب شاملة بين القوات المتمردة في الشمال والحكومة السودانية فإن جنوب السودان سيضطر لاتخاذ خيار صعب مفادة التخلي عن أصدقائه القدامى من أجل علاقات حسن الجوار مع منافسه اللدود بالخرطوم خشية اتساع نطاق الحرب والانهيار الاقتصادي فى بلد يبني اقتصاده من الصفر وتتناوش جسده العليل جملة مخاطر وتحديات تنموية وصحية، وفي ظل توقعات بردود عسكرية عنيفة وحاسمة من الخرطوم وعجز المجتمع الدولي عن التدخل الفاعل في كل من ليبيا وسوريا قامت الحركة الشعبية في الشمال بوضع خطط أخرى بأن وقّعت تحالفًا مع الجماعات المتمردة بدارفور من أجل القتال معهم جنبًا إلى جنب في معارك جبال النوبة آملين بذلك إنهاك حكومة الخرطوم التي فقدت مليارات الدولارت من عائدات النفط إلا أن تركيع نظام الرئيس البشير الذي تدعمه قاعدة جماهيرية ضخمة تسندها قوة شبابية ناهضة قادر على تحويل الحرب إلى إعادة رسم خارطة سيادته على السودان الجديد المعافى من حركات التمرد.