الدكتورة بخيتة أمين في عمودها المقروء جداً «جرة قلم» بصحيفة الرأي العام يوم أمس، طرحت موضوع مذيعات التِرتِرْ.... ونستميحها عذراً في اقتباس العنوان ومواصلة الموضوع من وجهة نظر «بتاعة رجال».. والأستاذة بخيتة أشارت إلى موضة اللمعان والخرز والسكسك والياقوت والزجاج الذي يملأ ثوب المذيعة حتى يختفي الثوب. ونبدأ بأن التِرْتِرْ بكسر التاء هو نوع من الخرز والصدف يأتي لنا من مصر، وكانت معظم التجارة في العهود القديمة بين بلاد السودان ومصر تتلخص في مبادلة التِرْتِرْ مع الصمغ العربي وريش النعام والبخور.. والتِرْتِرْ والخرز كان يستعمل لأغراض الزينة ويلبس في الرقبة وعلى الصدر عند النساء والرجال، كلما توغلنا في إفريقيا ابتداءً من جنوب السودان.. وكما تقول الأستاذة بخيتة فإن التِرْتِرْ اشتهر في مصر لاستعماله بواسطة الراقصات لتبدو الراقصة بشكل أفضل خاصة عندما ترقص «على واحدة ونص» وتحدث صوتاً يتناغم مع الموسيقى.. على أن الأقمشة المطرزة بالخيوط الذهبية حلت محل «الخرز والترتر والسكسك» لاحقاً. والناظر إلى محطاتنا الفضائية يجد أن معظم «بنات المحطات» و«مذيعاتها» عبارة عن «شماعة بتاعة ترتر» حتى أنك في بعض الأحيان تستغرب كيف أن هذه «الولية» أو تلك «البنت» قادرة على حمل هذه الأثقال «المتلتلة» والمنيلة بستين نيلة على ظهرها وكتفيها.. وقد تجد أن قنواتنا الفضائية مجرد شماعة لعرض الترتر والسكسك.. وهؤلاء «النسوان» عبارة عن «تماثيل» لعرض الأنواع والأنماط المختلفة من الألوان.. وتحولت القنوات إلى معارض وتحولت المذيعات إلى عارضات، وبالطبع قامت معظم نساء البلاد بتقليد المانيكانات «بتاعات» القنوات الفضائية.. ولهذا نشأت مشاغل ومصانع ما عندها غير «تلزيق» الترتر في الثياب.. وهذا التلزيق قد يكلف ما بين المليون الى ثلاثمائة مليون جنيه في الثوب الواحد الذي يتم استعماله مرة واحدة، لأن الشعار المرفوع «شافوني بيهو المرة الفاتت تاني ما بلبسوا».. وبناتنا مقدمات البرامج في القنوات ربما أعجبتهن مسألة اللمعان والزركشة، ومع الاضاءة المسلطة عليهن تجد أن الواحدة تلمع من «رأسها لي كرعيها» ودخلت حديثاً قصة الحنة بتاعة المربعات والمثلثات والدوائر الفاضية والمليانة والخطوط الحادة والمنفرجة. ومع اللمعان الإضافي الذي تحدثه الختم المرصوصة على الأصابع والرسومات الفرعونية على الأيدي والأرجل ومناطق أخرى، تكون الواحدة عبارة عن معرض متحرك.. وبالطبع كما تقول أستاذتنا بخيتة أمين فإن أية مذيعة عربية في أية قناة من الثلاثة آلاف وسبعمائة قناة التي تحوي سيدات وآنسات مثل ما عندنا أو أفضل مما عندنا، لا يتجاوز ما تلبسه تلك السيدة أو الآنسة غير إسكيرت وبلوزة، ويمكن «حلق في الإضنين»، ومع ذلك تبدو وكأنها غاية في الأناقة على المستوى الدولي.. ومقدمات البرامج في «الكم ألف قناة ما قاعدين يلمعوا ولا راسمين حاجة في يديهم ولا كرعيهم ولا في أي حتة تاني».. ولا تجد غير أن تبدي لهن غاية الاحترام وتتلقى منهم الأخبار والبرامج، وهن في منتهى الذوق والقوة والفعالية والإبهار وغزارة المعرفة .. أما عندنا فربما أن أجواء الزركشة واللمعان والرسومات الفرعونية مضافاً اليها ضعف التقديم والفأفأة والتأتأة واللألأة والشأشأة والثأثأة، فإنها تجعلك تكره اليوم الذي قعدت فيه أمام الشاشة. وبالطبع «طق» تغير للمحطة الثانية .. والآن إذا كنا فعلاً نقول إننا نمر بظروف اقتصادية تحتاج إلى مظاهر التقشف والضغط على المصروفات، فيبقى أن من أهم واجبات القنوات الفضائية وغيرها من الجهات الإعلامية، أن توقف بناتها ونسوانها استعراض الترتر والحنة و«الختم والحشم» في الشاشات، حتى لا تقلدهن النساء الأخريات في الشارع، ويكون من الأفضل لو فرضت كل قناة زياً خاصاً بها مرسوماً عليه شعارها يعني يونيفورم عديل كده Uniform.. ولو كنت وزير الثقافة أو صاحب قناة لفرضت هذا الأمر الآن وفوراً حفاظاً على ذوق نساء السودان من الفساد. وتحياتنا للأستاذة بخيتة أمين على أمل تفعيل جمعية نساء السلك الدبلوماسي لإطلاق مشروع ترقية السلوك.. فقد بلغ السيل الزّّبى ويا ناس القنوات بلاش ترتر وبلاش حنة مربعات ومثلثات وعلب هندسة.