لم يأخذ الكثير من قادة الإعلام في العالم، الوقت الكافي ليتفرسوا في ملامح ومعالم موسكو التي بدأت تتحول وتتبدل من أصالتها التاريخية القديمة إلى مدينة حديثة من أحدث مدن العالم وأكثرها تطوراً... لقد انشغل مؤتمر الإعلام العالمي أو القمة الإعلامية العالمية كما سماه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بقضايا هي أساس وبؤرة وأم المشكلات والتحديات التي تواجه الإعلاميين والصحافيين في العالم.. وتؤرق مضاجع الساسة والحكام والأنظمة والحكومات ..! لقد توافد للعاصمة الروسية أكثر من خمسمائة من مديري وكالات الأنباء العالمية الضخمة وعشرات المسؤولين والوزراء من بقاع العالم ودوله المختلفة، وعشرات الصحافيين يمثلون كبريات صحف العالم من نيوزلندا أقصى الشرق حتى هنولولو وهاواي عند نقطة التقاء الغرب بالشرق من سبيريا حتى آخر بقعة في إستراليا.. وعشرات المراسلين وقيادات القنوان والشبكات الفضائية في العالم، وخبراء أكاديميون من جامعات مرموقة، إضافة للمؤسسات الدولية خاصة منظمات الأممالمتحدة واليونسكو.. مختلف الألسن والسحنات والتوجهات الفكرية والسياسية وأطياف ملونة من الأفكار والتوجهات، التقت هنا في موسكو لبحث قضايا الإعلام العالمي في القمة الثانية بعد قمة بكين في 2009م.. القضايا تجاوزت الهموم المعروفة للإعلام التقليدي، إلى مفاهيم أوسع من تطور واتساع دوائر تأثير الإعلام الحديث بعد التحديث المهول في وسائط النقل والاتصال الإلكتروني، ولم يعد الإعلام مهمات وممارسة محدودة النطاق، بل صار امتدادات مفتوحة لا تعرف الفواصل أو الحدود أو الزمن، ولم يعد الحديث عن الإعلام ومفاهيمه وتقنيات وتعريفاته واستكناه دوره، فهذه قضايا باتت قديمة ومعلومة بالضرورة. لكن الانشغال والهم العالمي الآن مع الانفتاح الكبير والتطور التقني والرقمي الهائل، وتحول العالم لغرفة صغيرة أو قل مجرد شاشة بلورية أو كبسة زر صغير على حاسوب أو حاسوب لوحي أو لمس خفيف على شاشة هاتف نقال، صار الانشغال ببحث حدود المسؤولية الأخلاقية والقيم السلوكية التي ينبغي توفرها في التعاطي الإعلامي وممارسة المهنة في مختلف دول العالم.. وتجليات دور الإعلام والصحافة وتأثيرهما على المجتمعات وتماسكها والقيم الأخلاقية لشعوب الدنيا التي بات وعيها وأخلاقها تتشكل وفقاً لما يقدمه الإعلام من معلومات وصناعة صور ومواقف. ولم تخلُ النقاشات خلال الجلسات العامة التي انطلقت من أول من أمس «5» يوليو حتى الثامن منه، في مقر مركز التجارة الدولي في موسكو حيث يعقد المؤتمر، لم تخل عن هذه المخاوف، وبلغ بعضها الحدة عند تناول قضايا الحرية الصحفية والإعلامية وحق الصحفي في الحصول على المعلومات، ومدى تأثير المواقف السياسية والفكرية والحضارية في الأداء الإعلامي، كما حدث بين وفد إيران وكوريا الشمالية ومايانمار من جهة ومدير وكالة البي بي سي وبعض الوكالات والوسائط الإعلامية الغربية. لقد صارت الخلفيات السياسية والقيم الأخلاقية في الأداء الاحترافي المهني واحدة من أعقد المسائل التي تؤثر في مصداقية الأخبار التقارير والتغطيات والنقل الإعلامي في العالم، كما أن اقتصاديات وسائل الإعلام وتأثرها بالأزمة الاقتصادية العالمية وحدود التماس ما بين السلطات والحكومات في كل العالم ووسائل الإعلام ترغيباً وترهيباً، تسيطر على الاتجاهات والسياسات التحريرية وتوجهات الوسائل الإعلامية الدولية. خلال الجلسات العامة وحلقات النقاش على الموائد المستديرة للمؤتمر، جرى نقاش دقيق وصريح للغاية حول مكانة الإعلام في عالم اليوم وما هو مستقبل مهنة الإعلام في عالم متسارع الخطوات، خاصة مع وجود منافذ أخرى للمعلومات غير المنضبطة بضوابط وأحكام ومسؤوليات الإعلام المعروفة تتدفق معلوماتها بلا توقف عبر الإنترنت لكل سكان العالم على مدار الساعة والدقيقة والثانية، فسوق الإعلام كبير والمنتج أكبر ومتنوع ومختلف، وتبادل المعلومات بات على أشده فلا بد من صيغ جديدة وأفكار ومفاهيم، تصلح كموجهات لمناهج حديثة لاستيعاب التحول الكبير في مجال العمل الإعلامي وتقنياته واقتصادياته وعلاقته بالسياسة والاجتماع والثقافة والفن ، ليصبح أداة بناء ونهضة وحوار وسلام بين كل البشر.. وتلك مهمة تبدو شبه مستحيلة.. لكن العقول التي تتناقش هنا في موسكو قادرة على التوصل لمشتركات عالمية تعطي الإعلام دوره المطلوب ومن أسفٍ فإن مثل هذا المؤتمر حظي بمشاركة ضعيفة عربياً إلا من قطر والبحرين ومصر والعراق وليبيا والسودان والإمارات، وغابت أغلب البلدان الإفريقية ودول العالم الثالث إلا قليلاً.. بينما حضرت الدول الكبرى مدججة بكل أدواتها وأسلحتها الإعلامية .