«طعم النجاح من أجمل النكهات التي تمر على الإنسان خاصة إذا ارتبطت النكهة بالنجاح والتفوق بطعم الغربة هذا ما دفعنا إلى اجراء حوار مع أسرة المهندس أحمد عبد الرحمن علي بمناسبة تفوق ابنته رانيا أحمد واحرازها نسبة نجاح «90,4%» في امتحانات الشهادة السودانية. وأحمد من ابناء شمال كردفان «الرهد» درس الهندسة الزراعية في جامعة السودان وحصل على زمالة التسويق من بريطانيا ويعمل الآن في المملكة العربية السعودية في مجال التسويق وزوجته عائشة عبد الكريم محمد اجتمعنا بهم في حديث الغربة وشجونها وحصادها»: بداية حدثنا عن تجربتك مع الاغتراب؟ { باشمهندس أحمد، كيف بدأت رحلة اغترابك؟ كانت ضربة حظ فأنا خريج جامعة السودان في أواخر عام 1985 كلية الدراسات الزراعية وبعد تخرجي بحوالى 3 اشهر وجدت إعلاناً في إحدى الصحف عن حاجة المملكة لموظفين وقدمت وتعاقدت مباشرة ولم أتخيل أن أمكث كل هذه الفترة في الغربة لأنني ذهبت لتكوين نفسي وتوفير احتياجاتي الشخصية. { هل هناك حاجز وهمي يمنع المغترب من العودة النهائية؟ أي إنسان ينشد الاسقرار والعيش الكريم داخل وطنه لكن المثل يقول أيضا إن «البلد البتعيشك هي بلدك» نحن هنا من أجل المعايش وتعليم الأولاد والمسؤوليات الكبيرة من قبل الأسرة الصغيرة والكبيرة، إضافة إلى البحث عن مشروع يعول الأسرة لأن المغترب عندما يعود لا يصلح أن يكون موظف دولة أو حتى في قطاع خاص لأن أغلبهم يكون قد تعدى سن التوظيف كما أن المغترب تتعلق به الآمال من قبل الأسرة الكبيرة والمعارف، فليس هناك مغترب يعمل من أجل نفسه فقط، لهذا تجدهم يؤجلون العودة دائما والمسؤوليات تكبر وتزداد وكل مغترب يتمنى أن يرجع ولكن لا نستطيع خصوصاً وأن بلدنا تحتاج إلى مزيد من التطور إضافة إلى الظروف الاقتصادية للدولة التي تفرض علينا أن نكون خارجها في الوقت نفسه لكي ندعم أسرنا لمواجهة الغلاء ولكن يظل حنين الغربة فينا والرجوع إلى الوطن أملاً يحدونا ولو كان بالإمكان الرجوع لرجعنا غدا. { لماذا جعلت أبناءك يدرسون في السودان رغم اغترابك لفترة 25 عاماً؟ بالرغم من أن جميعهم من مواليد المملكة العربية السعودية ولكن حرصت على تربيتهم بين السودان والسعودية حتى يشعر أبنائي بانتمائهم للوطن منذ الصغر ويتربوا وسط أهلهم، وهي الفترة التي تتكون فيها الشخصية فهم يدرسون بالسودان ويقضون الإجازات المدرسية معي بالسعودية وأنا متواصل معهم باستمرار وأقضي جميع الأعياد وسطهم وبين الأهل. ويبدو أنهم اندمجوا في السودان وأحبوا الحياة فيه وأكثر ما يعجبهم الأسرة الكبيرة والأقارب والخروج والحياة المجتمعية السمحة التي يتميز بها السودان لدرجة أنهم يرغبون في المجيء إلى السودان دائماً. { ما هي الآثار السلبية للغربة بنظرك؟ الإنسان بطبيعته اجتماعي والأمور الاجتماعية دائماً تهزني كثيرًا عندما أكون في خارج الوطن لا أستطيع المشاركة في مناسبات الأهل ولمة الأهل والأصدقاء لأنني بعيد رغم أني أحضر إلى السودان أكثر من مرة في السنة في إجازات قصيرة لاتتعدى «15» يوماً. ولكن عزاءنا أن الشعب السعودي شعب ودود. والسعودية من البلدان التي يتمنى كل مسلم الحياة فيها لوجود الأماكن المقدسة واستقرار الحياة فيها من النواحي الاقتصادية والأمنية وتطورها وسهولة الحياة فيها، أضف إلى ذلك طيبة الشعب السعودي. { ماذا أضافت لك الغربة؟ أضافت لي الكثير، اكتساب خبرات نتيجة للاحتكاك والتعامل مع أناس من جنسيات مختلفة من جميع دول العالم وتبادل الخبرات. فالنجاح في الحياة مبني على التعلم واكتساب الخبرات فأنا كغيري من المغتربين استفدت منها في تطوير المهارات وكيف ننجز مهامنا في الأعمال. كما هنا في دول المهجر الأرضية ممهدة للإبداع بفضل الإمكانات المتطورة التنافس البناء مما يؤثر في طريقة التفكير فنحن كل يوم نتعلم فالغربة مدرسة كبير ومفتوحة وبلا سقو . { كيف استقبلت خبر تفوق ابنتك رانيا؟ رانيا متفوقة منذ مرحلة الأساس فهي احرزت المرتبة الاولى في شهادة الاساس على مستوى ولاية الخرطوم واعتقد انها لم تقصر في دروسها ونسبة «90,4%» هي نسبة ممتازة ونتمنى ان تدخل الكلية التي تريدها { ماهو سر هذا النجاح حدثنا عن كيفية تربية ابنائك؟ اي نجاح في الحياة هو بفضل الله سبحانه وتعالى، فقد عودت ابنائي على الجدية وتحمل المسؤولية والثقة بالنفس فانا لا احبذ التخويف وانتهج منهج التوجيه والتفاهم معهم اضافة الى ان لأمهم دوراً وجهداً كبيرين في تربيتهم وتوجيههم فهي جندت نفسها وبرمجت حياتها على متطلبات حياتهم ودراستهم وكذلك كان لاستقرار وتماسك الأسرة دور كبير في نجاح الأبناء. { وتوجهنا بالسؤال لوالدة رانيا: ما هو الدورالذي قمتي به وتوج بنجاح رانيا؟ تلقيت نتيجة رانيا ببالغ الفرح كنت اوفر لها جميع طلباتها وأساعدها في ترتيب أولوياتها والحمد لله تكلل تعبنا بنجاحها، فرانيا تدرس منذ الصف الرابع المنهج السوداني لم تواجه مشكلة او صعوبة في تقبلها للمناهج وحتى اخواتها الاكبر منها متفوقات هالة على اعتاب التخرج من كلية طب اسنان جامعة الخرطوم واختها سارة على أعتاب التخرج من جامعة السودان في مجال تقنية المعلومات. { وتوجهنا بالسؤال لرانيا.. ماهي رغبتك في الدراسة؟ رغبتي ان ادخل كلية الطب وكنت متوقعة ان احرز اكثر ولكن راضية عن النتيجة. بالنسبة للدراسة احبذ الدراسة الليلية فانا اشعر باني اركز اكثر واشعر اني محظوظة فاجمل شيء بالنسبة لي هم الصديقات. اولاً كلهن سودانيات واغلبهن رافقنني منذ الاساس الي الثانوي ولم افترق عنهن فالدراسة في السودان اجمل بسبب الاجتماعيات مع صديقاتي ونحن في المدرسة نشعر باننا اخوات ودراستي في السودان كانت جميلة ومشوقة واكاد اقول انني لم اشعر بان السنين مرت علي بسبب المتعة التي اشعربها كلما ذهبت الى المدرسة. { ماهي أكثر الأشياء التي يعاني منها ابناء المغتربين بنظرك؟ هم يشتكون دائما من العزلة و«القفلات» وعدم الاصدقاء ويحبون السودان بسبب الخروج والمناسبات والرحلات. { ونعود للمهندس احمد الذي اختتم قائلا : اتمنى من الدولة السودانية الاستفادة من الخبرات المهاجرة لان هذه الخبرات تساعد اقتصاد السودان على النهوض من جديد وأتمنى كذلك من جهاز العاملين بالخارج تفعيل نشاطاته أكثر والنزول إلى أرض الواقع لمعرفة المشكلات الحقيقية التي يعاني منها المغترب ووضع الحلول لها وأن تترجم حلول تلك المشكلات لمصلحة المغترب ومصلحة السودان. كما اشكر المملكة العربية السعودية لاستضافتنا في اراضيها واتوجه بالشكر للسفارة السودانية لدورها ووقوفها الى جانبنا في كل الاحوال وفقا لما تقتضيه الظروف.