أوصد المؤتمر الوطني الباب تماماً امام أية محاولات لإحداث تغيير حقيقي في الجهاز التنفيذي، وأصر على قيادة المركب بذات الطاقم، ولعله من هنا يكمن التحدي الحقيقي في تغيير الصورة التي ترسخت لدى الكثيرين، وازداد أنصارها بأن الوطني ليس من أنصار التغيير اللهم إلا إذا فرض عليه .. وانتظر الناس الحكومة الرشيقة، فخرجت إلى حد ما كذلك من خلال التقليص الكبير الذي طال وزراء الدولة، ولكنه «تخسيس» دون مشورة طبية، ولك أن تتخيل أن تجرى عملية خفض وزن دون معاودة الطبيب، وهكذا حال الحكومة الجديدة التي ستجابه بتحدي تغيير سياستها، فكثير من الكبار الذين بقوا في الوزارة مطالبون بتقديم رؤى جديدة وإن كان ذلك عصياً بعض الشيء، في مقدمتهم وزير المالية الذي دار جدل كثيف بشأنه، بل أن اللجنة المنوط بها تشكيل الحكومة وضعت عدة أسماء بجانبه. وعلي محمود ربما نجح في وضع السياسات ولكنه لم يسلك الطريق الامثل لايصال تلك السياسات إلى الرأي العام، بينما وزير الزراعة المتعافي مجابه هو الآخر بتحدي انتشال الزراعة من وهدتها ومنافسة النفط. وبقي كمال عبد اللطيف وعوض الجاز لجهة رؤية القيادة لاستكمال ما بدأه، وإن كان البعض قد رشح الجاز للمالية. والشخصية الخامسة التي عليها إثبات الأحقية في البقاء هو وزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين، فبعيداً من النصر الذي تحقق في هجليج فالقوات المسلحة تحتاج لترتيب جديد من نوع خاص، فحتى الآن لم يظهر شكلها الجديد بعد انفصال الجنوب، وظلت مشغولة بالاحداث في جنوب كردفان والنيل الأزرق. واللافت أن الوزير اسامة عبد الله مازال يواصل مسيرة صرع المنافسين، فقد ضمت لوزارته «الكهرباء» وزارة الري، وقد دار جدل كثيف في لجنة الهيكلة بشأن دمجها، وها هو أسامة يدير مجموعة من الوزارات هي الكهرباء والسدود والري والموارد المائية. تغييرات عادية وإلى حد ما وضح أن حلفاء الوطني غير مؤثرين، بدليل أن غازي الصادق «أمة فدرالي» تقلد في غضون ثمانية أشهر ثلاث وزارات، واستحق ان يدخل موسوعة غينيس، حيث بدأ في ديسمبر الماضي بحقيبة السياحة، وقبل نحو ثلاثة أشهر أو أقل كان وزيراً للاعلام، وها هو يعين وزيراً للإرشاد مما يدل على أن التوليفة الوزارية تصاحبها «دغمسة». وواضح أن الحكومة أوتيت من ثغرة الإرشاد والأوقاف، بعد أن برأ الوزير الأسبق د. خليل عبد الله ذمته وكشف الفساد في الوزارة على رؤوس الاشهاد. وهو الامر الذي لم تتوقعه الحكومة كونها أرست مبدأ معالجة الفساد وفقاً لمبدأ فقة السترة، وها هو خليل يغادر. وكان واضحاً أن الوزارات التي تم إعمال مبدأ الدمج أو الإلغاء تقل فيها حظوظ وزرائها، بدليل خروج خليل عبد الله والسموءل خلف الله وزير الثقافة الاسبق الذي جعل الناس تدرك ماذا يعني مفهوم الثقافة، بل وفي ظل الاحتجاجات التي شهدتها الخرطوم كان آخرون يتظاهرون مع السموءل في ليالي السودان إنشاداً ومدحاً وطرباً، ولعل من المفارقات مغادرته ما لم يكن التغيير يستند إلى معايير غائبة عن الأذهان. وفي دوائر الاتحادي المسجل استطاع أحمد بلال إطاحة عابدين شريف وزير الموارد والدخول بدلاً منه في الوزارة متولياً حقيبة الإعلام. ويبدو أن الاختيار لم يصادف اهله، فبلال لا يتمتع بأية علاقات مع الإعلام رغم سنوات وجوده في السلطة، بل دخل في صدامات مع الإعلام من خلال خلافه مع وزير المالية ومنذ أن كان وزيراً للصحة إبان مشروع توطين العلاج بالداخل الذي مازال يكتنفه الغموض. وسيأخذ بلال وقتاً حتى يتأقلم مع المسرح الاعلامي، لكن هناك امر مهم للغاية، أذ أن الوزارة بجانب بلال ووزير الدولة مصطفى تيراب «حركات دارفور» قد تحتاج لوزير آخر أكثر فاعلية أو على الاقل يكون من جانب الوطني، شريطة عدم تكرار سيناريو الوزيرين السابقين عبد الله مسار وسناء حمد. وبرز من التشكيل أن الوطني أعاد أنصار السنة إلى المربع الأول بتسمية منسوبها محمد عبد الكريم الهد وزيراً للسياحة، بينما كان منسوبها الأسبق وزير دولة بذات الوزارة التي تبدو غير مناسبة مع الجماعة. خروج متوقع الخروج المتوقع كان لوزير السياحة حسبو محمد الذي يعتبر أقل الوزراء عمراً في الوزارة، وكان الأجدى تعيينه مكلفاً عقب معالجة مشكلة الإعلام باستقالة وإقالة وزيريها مسار وسناء، حيث تم تحريك غازي من السياحة الى الاعلام. وبخروج حسبو يبدو أن الحزب بات لا ينظر لمسألة الموازنات القبلية، إذ خرجت بذلك القبيلة التي ينحدر منها الرجل، وإن كان الحزب قد انتهج هذا النهج فذلك يبدو جيداً.. وزراء الدولة.. رقعة الشطرنج الملاحظ في وزراء الدولة الاحد عشر باستثناء فرح مصطفى الذي كان وزيراً للعمل الذي سبب تعيينه وزيراً برئاسة الجمهورية ترهلاً في الوزارة، فجميعهم كانوا وزراء دولة ولم يدخل عليهم وجه جديد، مما يدعو للدهشة. والأمر الآخر الأكثر غرابة أن جميعهم تم نقلهم من الوزارات التي كانوا فيها في التشكيلة السابقة باستثناء العنصرين النسائيين آمنة ضرار «العمل» وتابيتا بطرس «الكهرباء»، لكن المهم هنا أن الحكومة وضعت حداً لمغامرات وزيرة الدولة بالاتصالات السابقة عزة عمر، وأتت بهبة محمود في مكانها التي قدمت مردوداً طيباً في تنمية الموارد، وباتت الوزارة بالكامل من نصيب المؤتمر الوطني، وأوكلت لعيسى بشرى بعد دمجها في وزارة العلوم. ومن الممكن جداً أن تراهن الحكومة على نجاح هذه الوزارة.. لكن بالمقابل خسرت الحكومة عنصراً مهما وهو وزير الدولة بالنفط إسحاق آدم «أمة فدرالي» وهو خبير عالمي في مجال النفط، ويبدو أن الموازنات في حزبه أطاحته. وبقي عدد من الوزراء من فئة الذين يفضلون البقاء في الظل، وهم من شركاء الوطني مثل سراج علي حامد «حركة شعبية» الذي انتقل من الإرشاد التي لم تكن ملائمة مع حزبه الى وزارة المعادن، ومختار عبد الكريم آدم «حركة تحرير وعدالة» من الصناعة إلى وزارة البيئة والغابات والتنمية العمرانية.