عندما هاجر المتنبي إلى كافور الاخشيدي حاكم مصر كان «زعلان» من سيف الدولة الذي بحث عنده عن الولاية ولم يولِّه.. وهذا ما اضطر المتنبي أن يقطع الصحاري ويجد نفسه مضطراً لأن يمدح «كافور».. وكانت أولى قصائده يقول مطلعها «قواصد كافور توارك غيره ومن قصد البحر استقل السواقيا».. وبالطبع فإن المتنبي كان «يكسر تلج» إلى الاخشيدي عندما وصفه بأنه البحر وأن سيف الدولة مجرد ساقية قليلة الإنتاج.. ثم إن المتنبي أضاع وقته «ساكت» لأنه وجد كافور «زول كضاب» لم يف بوعده معه مما اضطره لأن يذيع على الملأ قصيدته التي يقول مطلعها «عيد بأية حال عدت يا عيد» إلى أن يصل إلى البيت الخاص بموضوع «والعصا معه».. ثم إن المتنبي قال قولة أخرى صارت مثلاً في أحد الأبيات التالية لبيت «العصا معه» حيث يقول «إذا رأيت نيوب الليث بارزة فلا تظنن أن الليث يبتسم».. وهو هنا يشير إلى أن الليث ربما تبرز أنيابه استعداداً للافتراس لكنها بالخطأ تعطي الليث شكلاً يبدو فيه وكأنه يبتسم. وفي اعتقادنا أن الجنوبيين في المحادثات التي رُفعت أول الأمس بدا رئيس وفدهم «باقان» وكأنه يبتسم وهي ليست من عاداته، ويتحدث عن فتح الحدود بين البلدين وتسهيل التجارة، مع العلم بأننا هنا حلفنا طلاقات قلنا إن الأولوية لحسم القضايا الأمنية.. وها نحن للمرة الثانية نقترب من مربع واحد بأن يخدعنا ويغشنا باقان.. وتكاد الظروف أن يشبه بعضها بعضًا.. ففي المرة الماضية جاء باقان ووزع الابتسامات ورقصنا معه وتمت دعوة رئيس الجمهورية لزيارة جوبا لاستكمال المباحثات ورفع روح التفاوض وتقليص سقوفه حصرياً بين رئيس جمهورية السودان ورئيس دولة الدينكا.. ونحن مثل كل مؤمن صدِّيق صدَّقنا.. وكان الرئيس في اعتقادنا على وشك الذهاب فإذا بالجماعة يهجمون على هجليج قبل أن يغادر باقان.. والآن دولة الدينكا تدعو الرئيس البشير للمشاركة في أعياد استقلالها من المندكورو «أولاد الإيه» وفي نفس الوقت باقان يبتسم لوزير الدفاع ويدعو إلى فتح الحدود للتجارة بين البلدين لأن الجنوبيين عايزين سكر وعايزين شاي وعايزين بسل وعايزين فول وعايزين موية فول وعايزين سيت وعايزين ملهْ وعايزين شتة وعايزين بنسين وعايزين جسلين وعايزين ويكة وعايزين سعوت وعايزين ادس وعايزين رُس وعايزين سجاير وعايزين شعيرية وعايزين عطرون وعندما يقوم السودان بتوريد هذه الأشياء ويشبع الجنوبيون وتمتلئ كروشهم فإنهم سوف يهجمون على الدمازين أو كادوقلي أو أي حتة فهؤلاء الناس لا أمان لهم، وقد جربناهم.. طيب يا جماعة إذا كانت ابتسامات باقان السابقة ودعوته للرئيس بزيارة جوبا قد انتهت باحتلال هجلال فكيف لا يدور في أذهاننا أن الدعوة هذه المرة ربما كانت تحمل شراً مستطيراً.. وفي ثقافتنا الدينية أن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين.. فكيف نصدق أصلاً باقان أو غيره إذا علمنا أنه ليس لديهم مرجعية تمنعهم من الخيانة وكيف نثق في الليث وهو يبرز أنيابه ونعتقد أنه يبتسم لنا.. ثم كيف نثق أصلاً في «زول ما عندو دين».. { كسرة: ماذا تم في موضوع توفيق أوضاع الجنوبيين بالسودان وترحيلهم إلى أهلهم علماً بأنهم اليوم يحتفلون بمرور عام كامل على الاستقلال من المندكورو و«اللي هم نحنا».. وعلماً بأن الأربعة ملايين جنوبي يستهلكون يومياً أربعة وعشرين مليون رغيفة وعشرة آلاف جوال فول ويشربون اثنين مليون رطل زيت سمسم واثنين مليون رطل سكر ويشكلون أربعة ملايين قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي وقت وبلا سبب هذا بخلاف استهلاك الكهرباء والماء والمواصلات والعرقي..