كثيرة هي الأسباب التي تجعل الناس يتوجهون صوب أبواب الاغتراب والهجرة التي في أغلب الأحيان لا تكون ذات ترتيب مسبق أو خيارًا لا فكاك منه، فكانت ضيفتنا إحدى هؤلاء الأشخاص الذين أخذتهم الغربة على نحو من الغفلة، ومن ثم تسارعت الأحداث ذات الصلة بالمسببات الأساسية للاغتراب، فأصبحت ذات تجربة ثرة في الغربة.. جلسنا إليها عسى أن نأخذ ولو القليل مما قاسته في غربتها وحجم الأمل والألم والسعادة التي كانت تتخذها درعاً للصمود أمام الظروف العصيبة التي عاشتها بعيداً عن وطنها وأهلها لتضع لنا بصمة عميقة في تناول الغربة حسب جرعاتها المفروضة على المهاجر.. سعاد علي خرجت وهي لا تدري ما تحمله لها جعبة الأيام من مفاجآت وظروف بتنوعها ولكنها كما قالت تحملت الكثير وكانت الفائدة هي الأكثر.. جلسنا إليها في حديث خاطف فماذا قالت: ٭٭ ما هي الأسباب التي دفعتك للغربة؟ هاجرت إلى الجماهيرية العربية الليبية منذ أن تزوجت في عام «1980م» وحتى الآن وكان الغرض ليس تحسين الأوضاع المعيشية أو التطلع لوضع أفضل ولكنها كانت دون ترتيب مسبق أو تخطيط إستراتيجي.. ٭٭ حدثينا عن إحساس الغربة وخصوصًا أن مسيرتك معها امتدت لأكثر من ثلاثين عاماً؟ في الحقيقة الإحساس بالغربة يختلف حسب التكوين النفسي لكل شخص، وأنا تأقلمت مع الحياة في ليبيا رغم الصعوبات التي كانت تواجهني هناك بابتعادي عن الأهل والأحباب والوطن العزيز، ولكن كما يقولون «المعايش جبارة»؛ فقد أصبحت الحياة هي من تُسيرنا وتتقاذفنا أمواجها كثيراً ولكنها في النهاية زادتنا قوة وصلابة خاصة أن الهجرة لليبيا والاستقرار فيها صاحبته الكثير من العقبات التي عانينا منها كثيرًا. ٭٭ إذن كنت سعيدة في هذه الغربة؟ نعم وأيما سعادة بوجود أبنائي أمامي وسعيدة أيضًا لنيلهم أرفع الدرجات العلمية واستقرارهم في دراستهم.. ٭٭ ماذا بعد انتقال رب الأسرة للرفيق الأعلى؟ لكل أجل كتاب وهو رحمة الله عليه كان فقداً كبيراً لنا وخاصة أبنائه وهم في الغربة بعيداً عن الأهل وفي أشد الحاجة إليه ولكن بحمد الله تجاوزنا هذه المحنة بقوة وثبات وآثروا أن يواصلوا المسيرة.. ٭٭ بماذا خرجتي من هذه التجربة الصعبة؟ بحمد الله تجاوزنا هذه المحنة رغم صعوبتها بثبات ويقين فالغربة تجعل الإنسان يتحمل آلامه وأحزانه ويصبر عليها لبعده عن أهله ومن يواسونه ويحملون عنه الآلام والأحزان ولا أنكر أنهم عاشوا معي أصعب هذه اللحظات رغم بعدهم عني.. ولكن الأهم أن تجد كل دواخل السودانيين الذين يقاسمونك الغربة تقف معك وتشد من أزرك للخروج من الأزمة كعادة الشعب السوداني الأصيل بعاداته وتقاليده السمحة.. ٭٭ حدثينا عن طبيعة وشكل العلاقات بين السودانيين والليبيين؟ الشعب الليبي شعب طيب وعطوف وعلاقتهم بالسودانيين قوية ويحسنون المعاملة خاصة بين الأسر ذات الجذور الأصيلة والقديمة واحترامهم للسودانيين وتقديرهم ينبع من حُسن التعامل الذي يجدونه من السودانيين.. ٭٭ كيف مرت بكم فترة الحرب العصيبة في ليبيا؟ كانت من أشد الأيام قساوة علينا ولكن رغم الخوف والهلع الذي أصابنا إلا أننا وجدنا الإخوة الليبيين خيرًا معينًا وسندًا في هذه المحنة. ٭٭ ألم تفكروا في العودة إبان اندلاع الحرب؟ إطلاقاً، رغم الموت الذي كان يواجهنا والدمار من حولنا إلا أننا صبرنا وتمسكنا بالوجود في ليبيا؛ لأننا عشنا فيها أكثر من السودان وأصبحت جزءًا أصيلاً فينا بطيبة أهلها وحسن معشرهم.. ٭٭ الآن بعد استقرار الأوضاع فيها ألا تنوون العودة؟ بالعكس الآن نحن أكثر إصراراً على الاستقرار فيها؛ لأن الأوضاع فيها أصبحت أكثر أماناً بعد ذهاب نظام القذافي المستبد، والآن ليبيا أصبحت أكثر انفتاحاً وتسعى لتواكب ما فاتها من تطوُّر.