وقد مرت علينا بالأمس الذكرى الأولى للانفصال الرسمي لجنوب السودان، والذي خلّف ما خلّف من توابع وتعقيدات ومشكلات أثرت وما تزال تؤثر سلباً على السودان الشمالي ولعل أبرز هذه التوابع الأزمة والضائقة الاقتصادية التي تمر بها البلاد والتي أحدثت فيها بعض الاضطرابات والقلاقل السياسية تبلورت في حركة الاحتجاج والتظاهرات التي شهدتها البلاد في عدد من مدنها قبل أن تستقر الأمور وتستتب. نقول والسودان يدخل عامه الثاني في نسخته وخريطته ومساحته الجديدة، إن على الحكومة أن تغير ما بنفسها حتى يغير الله ما بها. عليها أن تقوم بوضع أساس متين وقوي من المبادئ لتكون بمثابة مرتكزات تكون أساساً للحكم في المرحلة القادمة وأول هذه المبادئ هي الالتزام بسيادة حكم الشريعة وبسط العدل، فالالتزام بسيادة حكم الشريعة وبسط العدل هو قيمة إنسانية ودينية وأخلاقية مطلوبة وضرورية فالعدل هو أساس الحكم والشريعة هي حكم الله أنزلها الله وشرعها للناس لكي يحتكموا إليها وهي الأصلح على الإطلاق من كل الشرائع الوضعية الأخرى، فإذا ما تم تطبيقها وإنفاذها دون تحفظات ودون وجل أو خوف من أعدائها وإذا ما تم تطبيقها كما أمر بها الله على الكل على قدم المساواة دون تمييز لأي سبب من الأسباب فإن ذلك مدعاة إلى رضا الله وبالتالي إلى فتح بركاته من السماء والأرض ولنا في دولة المدينة وفي عهد الخلفاء الراشدين الأسوة الحسنة والمثال الناصع وقد كان العدل بين الناس الذي أقامه الخلفاء الراشدون سبباً في قوة الدولة آنذاك وخلوها من الأزمات ورضا الناس عنها و دخول الكثيرين من غير المسلمين في دين الله أفواجاً. وثاني هذه المبادئ هي احترام حقوق المواطنة من قبل الدولة وتأديتها على وجهها الأكمل لأن ذلك يعد من صميم واجبات الدولة تجاه مواطنيها، واحترام هذه الحقوق وتأديتها سيجعل المواطن مديناً وممتناً لها ويزيد من إحساسه بالحب للوطن واستعداده لبذل الغالي والنفيس من اجله ويشعر بالفخر والاعتزاز بالانتماء إليه ويدفعه هذا الشعور إلى القيام بواجباته نحو الوطن دون تقاعس أو تكاسل، فالوطنية التي ينشدها الجميع لا تأتي هكذا عفو الخاطر أو من عدم ولا تأتي فقط بالقول وباللسان والخطب الرنانة وإنما لا بد من وجود محفزات ومثيرات، وهذه المحفزات تتمثل في إعطاء المواطن حقوقه كاملة غير منقوصة بلا من ولا أذى. أما الشفافية في اتخاذ القرار فهي المبدأ الثالث الذي ينبغي للحكومة الالتزام به، بمعنى أن تتيح الحكومة الفرصة للمواطن المشاركة في صنع القرار واتخاذه عبر ممثليه ومن خلال أوعية المشاركة الشعبية، وألا تكون القرارات فجائية وغامضة بل يهيأ الناس لها وتكون موافقة ومتوافقة مع اتجاهات الرأي العام وغير مصادمة له. ثم يأتي من بعد ذلك المبدأ الرابع وهو مبدأ التزام النزاهة في صرف المال العام وهل أضر البلاد شيء آخر غير إهدار وتبديد المال العام والاعتداء عليه بكل صور الاعتداء من نهب وسلب وإسراف وتبذير، إن الاعتداء على المال العام كان هو «السوسة» التي نخرت في جسم الاقتصاد ودابة الأرض التي أكلت منسأته حتى خرّ صريعاً. وعلى الحكومة أن تضع وتصوغ وتنشئ الآليات المناسبة والناجعة للقضاء على هذه الآفة الضارة، والمبدأ الخامس هو مبدأ المحاسبة المستند إلى «من أين لك هذا» هو الذي يجب أن يسود على الكبير والصغير، الشريف والوضيع، الوزير والخفير فإنه قد أهلك الذين من قبلنا أنه إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وهذه شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، فالتمييز بين الناس في المحاسبة وإنفاذ القانون مدعاة إلى الهلاك والدمار وذهاب الريح والهوان على الأعداء. والمبدأ السادس يتمثل في تطبيق معايير الكفاءة في الاختيار للمناصب العليا والوسيطة والدنيا على حد سواء وهو أمر ضروري ولا غنى عنه ومطلوب بشدة لأنه سيأتي بأهل القدرة والكفاءة والتأهيل إلى المناصب والوظائف وبالتالي فإن ذلك ينتج عنه أداء ممتاز وتخطيط جيد وتطبيق دقيق ومحكم للبرامج والخطط في المجالات المختلفة وثمرة ذلك كله النهضة والتنمية والتقدم والقوة وهل هناك شعب أو أمة تستغني عن هذه القيم! وأخيراً فإن القول الحسن والكلمة الطيبة هي مفاتيح لقلوب الناس وسبب في كسب رضاهم وتأييدهم ومساندتهم، وعلى الحكومة أن تلجم الألسنة الحداد لبعض رموزها وقيادييها الذين درجوا على سلق الناس بها بمناسبة وبغير مناسبة وأن تحمل هؤلاء على احترام الناس وكف سياط ألسنتهم عن إلهاب ظهورهم بها بالألقاب والتشبيهات غير اللائقة، فكما أن الرائد لا يكذب أهله فهو أيضاً لا يسبهم ولا يقهرهم ولا يسيء إليهم لا بقول ولا بفعل. وكل أولئك هو من قيم الإسلام وتعاليمه السمحة التي أرساها نبينا الكريم وعمل بها خلفاؤه من بعده فصلح بهم أمر الدنيا والآخرة.