لا تعرف الإدارة الأمريكية وهي تتمتع بتفوقها العسكري على كل دول العالم، منطق «ولا تزر وازرة وزر أخرى». وإذا كانت واشنطن قد وضعت أسامة بن لادن عدواً لها بعد انهيار الاتحاد السوڤييتي وتداعي دول المعسكر الشرقي إثر انهياره، فإنها حسبت أيضاً أن كل من عمل ولو قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر الشهيرة مع زعيم تنظيم القاعدة السابق عدواً لها مثله. ويكفي واشنطن سوءاً أنها صاحبة بدعة «الأدلة السرية» التي تعني أن يُدان بها خصومها أو أعداؤها أو من تتهمهم مجرد اتهام بأنهم يتحركون ضد مصالحها، أن يدانوا بأدلة غير معلنة، ولا تعلمها إلا هي، تُرى هل هذا أسلوب ينتمي إلى منطق القانون؟ إن المحاكمة تعني إلى جانب حالة الاتهام حالة الدفاع ايضاً ثم المرافعة، فكيف إذن يتسنى إعمال قيم العدالة مع بدعة «الأدلة السرية». ولماذا تكون المحاكمة أصلاً بدون أدلة معلنة؟ ولماذا تتعامل واشنطن بانتزاع الاعترافات الزائفة بطريقة ابتزازية لتقول للمجتمع الدولي والمجتمع الأمريكي المحلي ودافع الضرائب، إن من اتهمتهم بمعاداة الولاياتالمتحدةالأمريكية وألقت من ثم القبض عليهم قد اعترفوا وأقروا بذنوبهم.. إن الاعتراف يمكن أن يكون من أجل التحرر من قبضة أعداء الأمة، وليس بالضرورة أن يكون هذا الاعتراف الذي يقدمه المتهمون للسلطات الاستخبارية الأمريكية حقيقياً، فالمؤمن متاح له أن ينطق بكلمة الكفر إذا كان مكرهاً من قبل العدو. فقلب المؤمن يكون مسكوناً بالإيمان وما ينطقه لسانه في حالة قهر واستبداد لن يُغير ما في القلب. والآن عاد إلى البلاد أحد المعتقلين في سجن غوانتنامو الشيخ إبراهيم أحمد القوصي بعد أن قضى أربعة عشر عاماً فيه، وكان من قبله قد أُفرج من ذات السجن عن مصور قناة «الجزيرة» الفضائية سامي الحاج. وإذا لم تكن هناك علاقة بين سامي الحاج وهو إعلامي وتنظيم القاعدة، فإن إبراهيم القوصي يمكن أن ننظر إلى علاقته بأنها منحصرة في أنه كان يعمل مع زعيم تنظيم القاعدة السابق عملاً عادياً يمكن أن يقوم به أي شخص آخر غيره، وإذا كانت واشنطن تراعي قيم العدالة وأصول الإنصاف لاعتبرت أن من يعمل سائقاً أو طباخاً أو موظفاً مع شخص طلب لاحقاً للمحاكمة غير مدان بالضرورة لمجرد قيامه بعمل شريف، فهو لم يتجسس أو يتآمر كما تفعل المخابرات الأمريكية من خلال المنظمات أو غيرها. إن القوصي لا يمكن أن يكون مثل «كوكو الأمريكي» في جبال النوبة، أو مثل الأمريكان الذي يرافقون حركات التمرد التي تحارب ضد حكومات بلادها حتى ولو كانت حكومات ديمقراطية. إن أغلب معتقلي غوانتنامو لا علاقة لهم بأية نشاطات عدوانية، ولو أن واشنطن تتعامل بالمنطق القانوني وتراعي مبدأ العدالة لما أطلقت مصطلح (الأدلة السرية) الغريب جداً والعجيب جداً، ولقدمت كل المعتقلين لمحاكمات مكشوفة في وقت وجيز بعد اتهامهم والقبض عليهم، حتى لا يطول بقاؤهم في المعتقلات دون محاكمة، ولما اختارت أن يكون المعتقل خارج أمريكا في غوانتنامو هرباً من حملات الضغط القانوني داخل الدولة الأمريكية التي يعرف عنها أنها دولة مؤسسات، لكنها تريد التسويق السياسي لصالح حماية إسرائيل. فما هي إذن دولة المؤسسات؟ إنها مؤسسات التآمر على أعداء إسرائيل وعلى رافضي التطبيع مع إسرائيل، وهذا التطبيع هو البطاقة التي يحملها بعض المتمردين في بعض المناطق لنيل رضاء أمريكا وجلب الدعم والتمويل. وإذا كان من تتهمهم واشنطن بأنهم ينتمون إلى تنظيم القاعدة ولو بشبهات واهية وغير معقولة، وهم بطبيعتهم يرفضون قبول الاحتلال اليهودي، فإن إلقاءهم في معتقلات الطغيان وانتهاك الحريات أمر تراه الإدارة الأمريكية هيناً. عوداً حميداً القوصي.. والعقبى قريباً عام 4121م للسوداني النور عثمان..