دلف ضابط نحيف بسيط الملبس ومعه سائقه المهندم إلى مؤسسة كانت تنتظر توقيعه على أوراق تخص الطرفين الضابط باعتباره مسؤولاً بالإدارة التي يعمل بها وقد حكم أهل المؤسسة بالظاهر فأبدوا اهتماماً بالسائق واستلذ الضابط بغباء أهل المؤسسة وبإشاره منه للسائق واصل الأخير مهمة الرجل الأول لدقائق معدودات حتى جاءت الأوراق التي ينتظر توقيعها وحدث ما حدث من حرج لأهل المؤسسة.. ولعل الرأي العام و«قلة» من أهل الصحافة يهتمون بأصحاب الهندام وينصبُّ التركيز في متابعة شؤون الإحلال والإبدال عند كل حكومة جديدة أو توليفة وزارية بمتابعة وزراء بعينهم لما أثاروه من قضايا أو حتى لما أثير حولهم من جدل بشأن قضايا شكّلت رأياً عاماً ما جعلهم في واجهة الأحداث، منهم على سبيل المثال وزيرا المالية والزراعة، بينما آخرون مثل شبيه الضابط المذكور وزير الكهرباء والموارد المائية أسامة عبد الله، فقد ظل ولوقت طويل يؤثر أن يكون في حالة الضابط المذكور في فاتحة المادة في الوقت الذي كان فيه الرجل ووزارته الشغل الشاغل داخل الحزب، بمعنى أوضح أسامة غير مرئي لكثيرين نسبة للهدوء الذي يبدو عليه والبساطة في الملبس حد الدهشة لكن واحد من سببين وراء تأجيل التشكيل الوزاري الأخير كانت مسألة دمج الري في الموارد المائية مع الكهرباء والسدود طبعاً تم التأمين على وجود أسامة وواضح أن مرد الانقسام أن ملف المياه يحتاج إلى خبير وشخصية أكثر دربة خاصة وأن الصراع القادم مع دول الجوار أو الحرب القادمة هي حرب المياه، ومن هنا يكمن عسر المهمة الحكومة بعد أن ولت أسامة بهذا الملف فضلاً عن أن وزير الدولة بالوزارة تابيتا بطرس لا علاقة لها من قريب أو بعيد بملفات الوزارة برمتها وقد يقول قائل إن عمل الوزير ليس بفنيٍّ لكن طريقة إدارة أسامة للملفات منذ الطلاب والشرطة الشعبية والشباب تؤكد مدى إمساك الرجل بالملفات، وواضح ذلك من خلال المجموعة التي تعمل معه في كل مكان ينتقل اليه حتى شكّل الرجل مجموعة من حوله ربما تدين له بالولاء أكثر من ولائها للمؤسسة وربما بذلك يكون أسامة سن سنة مستقبحة من خلال تصوير المسألة كونها شلليات أكثر من فريق عمل متجانس. نفوذ أسامة يزداد يوماً بعد يوم، وهو أمر قد يستوجب الوقوف حياله خاصة وأن إدارته لأكبر مشروع تنموي بالبلاد وهو سد مروي لازمتها كثير من المسائل التي تحتاج مراجعة مثل ما يشاع عن عدم وقوف المالية على كل تفاصيل الصرف على المشروع، فضلاً عن الصرف البذخي الذي لازم المشروع مثل ترحيل الوفود من وإلى السد بجانب إصدارات السد المختلفة التي لم تغفر لأسامة في أول اختبار يتعرّض له، وبرز ذلك من خلال صدامه مع مدير الكهرباء مكاوي عوض بشأن كهرباء السد، كان نتيجته انسحاب مكاوي من ميدان المعركة بقرار إقالته وذهب دون أن يكشف ما حدث ومثلها عدد من المعارك التي دخل فيها أسامة منها مع والي الشمالية الأسبق ميرغني صالح ثم ملف المناصير الذي لم يُفتأ فيه والي نهر النيل الهادي عبد الله حتى تدخلت قيادات الحركة الإسلامية منها حسن عثمان رزق وطوت ملف الأزمة. ربما من المسائل التي استوقفت لجنة الهيكلة والاختيار حول الوزارة التي يقودها أسامة ليس الوزارة بل وزيرها لجهة الحديث الكثيف عن تجنيب مؤسسات تتبع لإدارة أسامة للمال العام ويتطابق ذلك مع الرؤية العامة أن تجنيب أي مؤسسة لمال عام يعني بطريقة أو بأخرى قوة نفوذ الشخصية التي تجنِّب المؤسسة التي عليها للمال، هذا إن لم يكن التجنيب يقوي بطريقة أو بأخرى من نفوذ تلك الشخصية. وإن كان أسامة ليس بسياسي من الطراز الأول على الأقل غير ممسك في الوقت الراهن ومنذ عدة سنوات بإحدى أمانات حزبه، فبالقطع فإن قوته أو علو أسهمه قد يكون مستمداً من نفوذ المؤسسات التي يديرها مثل شركات الكهرباء ومؤسسات السدود الثرية المنتشرة في أرقى أحياء العاصمة. كذلك ما يستوجب الوقوف في شخصية أسامة حضوره الطاغي في كثير جدًا من المناسبات التي يكون الرئيس حاضرًا فيها ما يوحي وكأنما الأمر ليس مصادفة أو كأنما يتتبع أسامة خطوات الجميع. وبالطبع الحضور في المجالس مسألة مهمة وتجعل الشخص حاضرًا في المشهد وللمفارقة عندما كان الرئيس يدلي بصوته في الانتخابات الماضية برفقة أهل بيته وأشقائه كان أسامة حاضرًا هو الآخر في مدرسة سان فرانسيس.. على كلٍّ بقاء أسامة لغز يحتاج لمن يفك طلاسمه.