مع بداية إعلان وزير العدل محمد بشارة دوسة في العام المنصرم عن نقل مكتبه من برج العدل إلى نيابة الثراء الحرام بعث برسالة شديدة اللهجة وبتهديد واضح عن عزمه في تطبيق (من أين لك هذا) على أي مال مشبوه، وقال: إن البداية ستكون لاستعادة الأموال التي اعتدى عليها.. داعيًا أي صاحب مال مشبوه لأن يبرئ ذمته وأن يتحلل من الأموال التي حصل عليها بطريقة غير مشروعة، ووعد أن تذهب الأموال التي سيتم تحصيلها إلى المستشفيات المعنية بغسيل الكلى وكذلك لأطفال السرطان.. إلا أن الوزير ظل صامتًا بعدها حتى كادت تصريحاته تذهبت طي النسيان إن لم تذهب في وقت ظلت فيه قضية التعدي على المال العام طي الكتمان لفترات طويلة حيث تدار رحاها بين المسؤولين الذين يعمدون دائمًا وفي محاولات مستميتة لمنعها من الوصول للرأي العام وتعد حزمة الإجراءات التي خرجت بها وزارة العدل مؤخرًا لاسترداد المال العام ودعوتها بعدم الأخذ بالشبهات الأولى من نوعها التي يتوفر لها عنصر الجدية التي أقل ما توصف بالعاصفة التي تهز عروش قضايا ظلت في غياهب المسكوت عنه لا سيما التوجيه القاضي بإحالة بلاغات الاعتداء على المال العام والثراء الحرام والمشبوه ونيابة الأراضي والضرائب والجمارك ونيابة المستهلك للمحاكم في فترة أقصاها شهرين للبت فيها بصورة نهائية في ظل المطالبة بتحريك الإجراءات الخاصة باسترداد الأموال المسددة بموجب الشيكات المرتدة دون تأخير بل وجه بمد إدارة الثراء الحرام والمشبوه بوحدة متخصصة من الجهات ذات الصلة بالمعلومات المتعلقة بمظاهر ومظالم الثراء الحرام والمشبوه، خطوة تعتبر محاولة إنقاذ ما تبقى من المال العام وحمايته من التعدي عليه وتفعيلاً لدور الوزارة التي ظلت لفترات ماضية مقتصرة على قضايا ثانوية بجانب تفعيل عمل النيابات لمكافحة الثراء الحرام ورفع إيقاع وتيرة العمل بها، وبالرجوع إلى الوراء والتمعن في الأعوام الماضية نجد أن العديد من قضايا الاعتداء على المال العام تجحظ لها الأبصار وذلك لتزايدها خلال الأعوام السابقة حيث بلغت في العام «2009م» «65» جريمة وبلغت نسبة التنفيذ «94.4%» وفي «2008م» «32» جريمة التنفيذ بلغ «86.5%» وفي «2006م» «32» والتنفيذ «89.3%» وفي «2005م» «58» جريمة التنفيذ «90.5%» وعام «2010م» «56» جريمة والتنفيذ بلغ «90.5%» أرقام أوردها تقرير المراجع العام من داخل قبة البرلمان وقتها وسط مطالبات بالفصل في أية جريمة للاعتداء على المال العام أمام القضاء وليس النيابة، ليرتفع الرقم إلى «69» جريمة في العام الماضي نفذ منها بنسبة «77.2%». الخبير الاقتصادي بروفيسور ميرغني ابن عوف بدأ حديثه ل (الإنتباهة) بعدة تساؤلات تمثلت في أين هي الشفافية؛ لأن المواطن يريد أن يعرف ما هي البلاغات وضد من حرِّرت بحقه، وهل من حق وزير العدل أن يحتفظ بتلك البلاغات؟، مبينًا أن القضية قضية فرض القانون والنظام لفرض هيبة الدولة التي أُهدرت، مشيرًا إلى أن جميع المسؤولين يتحدَّثون ولا يفعلون شيئًا أبدًا كإخفاء المعلومات حول المال العام ومتى ينال العدل المسؤولين، وأكد أن قرارات إدارة الاقتصاد قرارات إدارية وليست اقتصادية ومن ثم لن تحل المشكلة حتى لو أرجع جميع المال المعتدى عليه.. وتذهب قرارات وزير العدل أدراج الرياح بالرغم من اجتهاداته، داعيًا لإصلاح الوضع بفصل مسؤولية وزير العدل عن النائب العام الذي لديه سلطة على القضاء، بجانب ذلك يجب أن يستغل القضاء استغلالاً فعليًا.